المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

618

وبكلمة اُخرى نقول(1) بالنظر إلى تبعيّة الدلالة الالتزامية للمطابقية: إنّ اقتضاء الحجّيّة للدلالة الالتزامية لخبر وجوب الجمعة مثلا لو كان مانعاً عن فعلية الحجّيّة للدلالة المطابقية لخبر وجوب الظهر، لزم كون عدم فعليّة الحجّيّة للدلالة المطابقية لخبر وجوب الظهر موقوفاً على اقتضاء الحجّيّة للدلالة الالتزامية لخبر وجوب الجمعة، واقتضاء الحجّيّة لها موقوف على فعلية الحجّيّة للدلالة المطابقية لخبر وجوب الجمعة؛ إذ لو لم تكن الدلالة المطابقية حجّة لم يكن بالإمكان حجّيّة الدلالة الالتزامية؛ لما عرفت من التبعيّة. وهذا معناه أنّ عدم فعليّة الحجّيّة للدلالة المطابقية لخبر وجوب الظهر موقوف بالواسطة على فعلية الحجّيّة للدلالة المطابقية لخبر وجوب الجمعة، ونفس البيان يأتي في الطرف الآخر. وهذا معناه مانعيّة كلّ من الفعليتين لحجّيّة الدلالة المطابقية عن الاُخرى. وهذا يستبطن الدور المحال. إذن فلا يمكن مانعية كلّ من اقتضائي الحجّيّة للدلالتين الالتزاميتين عن حجّيّة الدلالة المطابقية في الخبر الآخر، ومانعية أحد الاقتضائين دون الآخر ترجيح بلا مرجّح. إذن فشيء من الاقتضائين لا يصلح للمانعية. وهذا معناه حجّيّة الدلالتين المطابقيتين بلا أيّ مزاحم.

فتحصل من كلّ ذلك أنّنا لو لاحظنا دليلا لفظياً للحجّيّة، وغضضنا النظر عن تحكيم الارتكازات العقلائية ـ كما هو موضوع بحث الأصحاب ـ فما اختاروه من أنّ الأصل هو التساقط غير صحيح، بل الأصل في هذا القسم وهو ما لو كان التعارض فيه عرضياً وكنا نحتمل الترجيح في كلّ واحد منهما هو حجّيّة الدلالة المطابقية لكلا الخبرين، وعدم حجّيّة


بسقوط معارضه في نفسه ممّا لا وجه له.

ومن هنا انتقل اُستاذنا الشهيد (رحمه الله) حسب هذا الكتاب من هذا الوجه إلى وجه آخر، وهو: أنّ العلم الإجمالي بسقوط إحدى الدلالتين من مجموع الدلالات الأربع منحلّ بالعلم الإجمالي بكذب إحدى الدلالتين الالتزاميتين الترخيصيتين المولّد للعلم التفصيلي بسقوطهما؛ لأنّ حجّيّة إحدى الالتزاميتين بعينها ساقطة بمنجّزيّة العلم الإجمالي، وحجّيّة إحداهما لا بعينه لا أثر له؛ إذ لا يثبت بها إلاّ نفي أحد الوجوبين لا بعينه، وهو ثابت وجداناً بحسب الفرض للعلم بعدم ثبوت وجوبين، ولولاه لما كان تعارض بين الدليلين.

أقول: إنّ هذا الوجه إنّما يتمّ لو قلنا بعلّيّة العلم الإجمالي بوجوب الموافقة القطعية، وإلاّ فسقوط حجّيّة كلّ واحدة من الالتزاميتين بعينها إنّما يكون بلحاظ التعارض وعدم إمكان الجمع بينهما، لا بعلم تفصيلي بعدم حجّيّتهما في ذاتهما، وإذا كان كذلك فإعمال أثر التعارض أوّلا في الالتزاميتين بإسقاطهما، ثمّ القول بأنّ المطابقيتين قد تخلّصتا من المعارضة لا مبرّر له.

(1) جُعل هذا في نقل السيّد الهاشمي (حفظه الله) محاولة مستقلّة، وأبطلت بمنع الطولية في الحجّيّة بين الدلالتين المطابقية والالتزامية.