المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

617

من باقي الجهات. وأمّا إذا كان تقديم أحدهما على الآخر لا يمكن لجهة اُخرى بخلاف العكس، فتقديم الآخر عليه ليس ترجيحاً بلا مرجّح وما نحن فيه من هذا القبيل، فإنّ تقديم الدلالة المطابقية لأحد الخبرين على الدلالة الالتزامية للآخر في نفسه ليس فيه محذور، ولكنّ تقديم الدلالة الالتزامية لأحد الخبرين على المطابقيّة للاخر فيه محذور في نفسه، أي: حتّى لو جاز لنا تقديم الدلالة الالتزاميّة على المطابقية من دون ترجيح يبقى في نفس هذا التقديم إشكال، وهو أنّه لماذا نقدّم الدلالة الالتزامية لهذا الخبر على المطابقية لذاك الخبر ولا نقدّم عدلها وهي الالتزاميّة لذاك على المطابقيّة لهذا، فإنّ اختيار هذا التقديم دون ذاك التقديم ترجيح بلا مرجح، وتقديم كليهما غير ممكن؛ لما عرفت من أنّه لا يمكن الجمع بين الدلالتين الالتزاميتين في الحجّيّة: إمّا لاستلزام مخالفته التكليف القطعي، أو لتبعيّة الدلالة الالتزامية للدلالة المطابقية، فإذا عرفنا أنّ تقديم الدلالة الالتزامية على المطابقية في نفسه فيه محذور بغضّ النظر عن أنّه ترجيح لها على المطابقية بلا مرجح، وتقديم المطابقية على الالتزامية ليس فيه محذور، تعيّن تقديم المطابقية، وخرج عن كونه ترجيحاً بلا مرجح(1).

 


(1) اعتُرض على اُستاذنا الشهيد (رحمه الله) بأنّه بناءً على هذا البيان لو تعارض خبر واحد مع خبرين لزم تقديم الخبرين عليه؛ لأنّ كلّ واحد من الخبرين حينما نحسب حسابه مع ذاك الخبر الوحيد نرى أنّ الخبر الوحيد بغضّ النظر عن كون تقديمه على هذا الخبر ترجيحاً بلا مرجّح فيه نقص مستقلّ، وهو ابتلاؤه بالمعارضة للخبر الآخر. إذن فتقديم هذا الخبر على الخبر الوحيد يخرج عن كونه ترجيحاً بلا مرجّح.

فأجاب (رحمه الله) عن ذلك بأنّنا نحسب حساب الخبر الوحيد الذي هو حجّة لو خلّي ونفسه مع الجامع بين الحجّتين المتعارضتين معه، ونقول: إنّ تقديمه على الجامع بين الحجّتين ترجيح بلا مرجّح، فإنّه كما يمكنك ترجيح الجامع بين الحجّتين عليه كذلك يمكنك تقديمه على الجامع بينهما، وبالتالي تقديمه عليهما معاً، ولا أرجحّيّة لإحدى العمليتين على الاُخرى.

واُورد عليه (رحمه الله) بأنّ نفس البيان يأتي في طائفتين متعارضتين مع ابتلاء إحدى الطائفتين بالتعارض الداخلي، فيقال: إنّ أحد الشقيقين في داخل الطائفة المتعارضة يمكن تقديمه على شقيقه وعمّه، كما يمكن العكس.

فأجاب: بأنّ نفس هذا البيان يأتي في الشقيق الآخر، فإِعماله في أحدهما ترجيح بلا مرجّح، وفيهما معاً غير ممكن.

هذا، وقد ورد في كتاب السيد الهاشمي ـ حفظ الله ـ عن اُستاذنا الشهيد إبطال أصل هذا الوجه، بأنّ كلّ فرد من الطائفة المتعارضة له معارضان: أحدهما من نفس طائفتها، والآخر من الطائفة الثانية. وإطلاق دليل الحجّيّة لا يمكن أن يشمل الكلّ، وشموله لبعضها دون بعض ترجيح بلا مرجّح في عرض واحد، فتطبيق مشكلة الترجيح بلا مرجّح أوّلا على الطائفة المتعارضة ثمّ القول بأنّ الفرد المتعارض من الطائفة الثانية قد تخلّص من التعارض