المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

614

إلاّ أنّ بالإمكان استيناف البحث في المقام وإعادة النظر في أنّه هل حقّاً بطل الجمع بينهما في الحجّيّة والتخيير والترجيح، فوصلت النوبة الى التساقط، أو لا؟

فنقول: إنّ التعارض على قسمين: تعارض ذاتي، وتعارض عرضي، ونقصد بالأوّل ما إذا وجد تناف داخلي بين المدلولين، وبالثاني ما إذا كان التعارض بينهما بسبب علم إجمالي خارجي كما في دليل وجوب صلاة الجمعة ودليل وجوب صلاة الظهر.

والتعارض الذاتي تارةً يكون على أساس التناقض من قبيل (يجب) و(لايجب)، واُخرى على أساس التضاد من قبيل (يجب) و(يحرم)، فالمجموع ثلاثة أقسام، نتكلّم في كلّ واحد منها على حدة فنقول:

القسم الأوّل: أن يكون التعارض عرضيّاً كما في (صلِّ صلاة الجمعة) و(صلِّ صلاة الظهر). وهنا يمكن دعوى حجّيّة كليهما ووجوب الجمع بين الصلاتين، وذلك بعدّة محاولات.

المحاولة الاُولى: وهي محاولة بدائية، أن يقال: إنّنا نأخذ بكلتا الروايتين بالرغم من العلم الاجمالي بكذب إحداهما؛ وذلك لأنّه لا يلزم من العمل بهما اجتماع تنجيز وتعذير على أمر واحد، فإنّهما منجّزان لأمرين، ولا مخالفة قطعيّة لعلم إجمالي منجّز، فهذا من قبيل العمل باستصحابي النجاسة في إنائين علمنا إجمالا بطهارة أحدهما.

وطبعاً نقول هذا في الخبر الإلزاميين عند العلم الاجمالي بالترخيص، كما في (صلِّ صلاة الجمعة) و(صلِ صلاة الظهر) لا في خبرين ترخيصيّين مع العلم الإجمالي بالإلزام.

وهذا جوابه واضح، وهو أنّ المعارضة وعدم إمكان العمل بكليهما يكون له كما أشرنا في أصل المحاولة أحد ملاكين: (الأوّل) لزوم المخالفة القطعية للتكليف الالزامي المعلوم،


قبال الخبر الآخر فقد كاشفيّته، والخبر الآخر لم يفقد كاشفيته، فهذا قد يعني أنّ العرف يحصل له علمٌ يُعتبر ارتكازيّاً كالمتّصل بسقوط الأضعف بضعفه، أي: بنكتة تخصّه، فيبقى الآخر بمنجىً عن المعارضة.

وهذا الفرض ينبغي أن يفترض خارجاً عن مورد البحث.

إن قلت: مقتضى إطلاق دليل الحجّيّة في كلّ واحد من الخبرين حجّيّته على تقدير عدم حجّيّة الآخر تعييناً، فإذا قطعنا بعدم حجّيّة الآخر تعييناً ثبتت حجّيّة الأول.

قلت: ليس مقتضى إطلاق دليل الحجّيّة في كل واحد منهما حجيّته على مطلق تقديرات عدم حجّيّة الآخر بما فيها تقدير عدم حجّيّته بسبب التمانع بين الحجّيّتين، وإنّما مقتضى إطلاق حجّيّة كلّ واحد من الفردين على تقدير سقوط الآخر بملاك يخصّه كفقدانه لملاك الحجّيّة أو أضعفية الملاك فيه من الأوّل، وهذا التقدير ليس محرزاً.