المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

613

بأن يكون حجّة حتّى عند الأخذ بالآخر؛ لأنّنا احتملنا الترجيح في كلّ واحد منهما: إمّا بنكتة طريقيّة، او بنكتة نفسيّة. وبكلمة اُخرى: تكون دلالة الدليل على مطلق الحجّيّة في أحدهما معارضة بدلالته على الحجّيّة المطلقة في الآخر، فالتخيير لا معنى له، وإذا لم يتعقّل التخيير تعيّن التساقط؛ لأنّ حجّيّتهما معاً غير معقولة لتعارضهما، وحجّيّة أحدهما المعيّن ترجيح بلا مرجح، فبعد إبطال الجمع بينهما في الحجّيّة والترجيح والتخيير يتعيّن التساقط(1).

 


(1) لا يخفى أنّ التفصيل بين الفروض الأربعة التي تعرّض لها اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) إنّما يتمّ في صورتين، وكلتاهما لا واقع لهما:

الصورة الاُولى: أن نفترض أنّ دليل الحجّيّة العامّ قد انعقد له الظهور في حجّيّة كلّ واحد من المتعارضين، فنركّز كلامنا على مدى حجّيّة هذا الظهور، فعندئذ يقال مثلا في الفرض الاوّل من الفروض الاربعة: إنّ ظهور العام في حجّيّة الفرد الذي لا نحتمل أقوائيّة نكتة الحجّيّة فيه ساقط عن الحجّيّة يقيناً، للقطع بخروج هذا الفرد: إمّا مع معارضه، وإمّا وحده، فيبقى الفرد الآخر الذي علمنا بأقوائية نكتة الحجّيّة فيه على تقدير ثبوتها لدى التعارض مشمولا للمساحة الحجّة من ظهور العامّ.

إلاّ أنّ هذه الصورة لا واقع لها في المقام؛ وذلك لأنّ ظهور العامّ في حجّيّة كلّ واحد من المتعارضين غير منعقد؛ لأنّ عدم إمكان حجّيّة المتعارضين معاً واضح ارتكازي كالمتّصل، فيمنع عن انعقاد مجموع هذين الظهورين.

الصورة الثانية: أن نفترض أنّ المقيّد الارتكازي يركّز على إسقاط خصوص أحد الظهورين للعموم مثلا فيبقى الظهور الآخر فارغاً عن المعارض، ففي الفرض الأوّل مثلا من الفروض الأربعة أصبح ظهور العامّ في حجّيّة الفرد الذي لا يحتمل فيه أقوائيّة نكتة الحجّيّة منتفياً بخصوصه، فبقى مقتضي ظهور العامّ في حجّيّة الفرد الآخر بلا مزاحم.

إلاّ أنّ هذه الصورة ـ أيضاً ـ لا واقع لها؛ لأنّ النكتة التي بها سقط ظهور العامّ في ذلك الفرد ليست متعيّنة في نكتة تخصّه.

لا يقال: إنّ ظهور العام في أحد الفردين قد علمنا سقوطه على أيّ تقدير وبهذا أصبح الظهور الآخر بلا معارض.

فانه يقال: إنّ المقيّد الارتكازي الذي ينجي الظهور الآخر من التعارض بإسقاط الظهور الأوّل ليس هو نفس سقوطه، ولا العلم بسقوطه، وإنّما هو النكتة التي توجب سقوط الحجية المستفادة من الظهور الاول، وتلك النكتة مردّدة في المقام بين أن تكون نكتة لاتخصّ ذلك الظهور، وهي التعارض والتمانع مثلا وبين أن تكون نكتة تخصّه، وهي أضعفية ملاكه من ملاك الآخر مثلا، وعلمنا الإجمالي بإحديهما أوجب اليقين بسقوط ذاك الظهور، ولكن بما أنّ النكتة التي تخصّ ذاك الظهور بالسقوط ليست إلاّ طرفاً للعلم الاجمالي، ولا نعلم بها بالذات كي تكون مقيّدة ارتكازيّة كالمتّصل، فلا محالة تكون النتيجة تابعة لأخسّ المقدّمات، فلا يوجد لدينا مقيّد ارتكازي كالمتّصل، وبالتالي لا يخرج العامّ من الإجمال بلحاظ الظهور الآخر.

نعم، لو فرضنا أنّ الفاصل في الوثاقة مثلا بين الراويين كان كبيراً إلى درجة رآى العرف أنّ أحد الخبرين في