المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

607

فعلى المعنى الأوّل يكون هذا الكلام معارضاً لرواية افعل، لا قرينة على حملها على الاستحباب؛ لأنّه ينفي أصل الطلب بإثبات الإباحة بالمعنى الأخصّ، وعلى المعنى الثاني يكون قرينة لحملها على الاستحباب. وأمّا ما يقال من أنّ هذا الكلام صريح في الإباحة بالمعنى الأعمّ، فهو إنّما يكون بمعنى أنّ الإباحة بالمعنى الأعمّ تصدق على كلا محتملي الكلام، فيكون صريحاً فيه، أي: إنّ صراحته في الإباحة بالمعنى الأعمّ تكون في طول ثبوت معنيين له: أحدهما معارض والآخر قرينة، وصراحةٌ تكون في طول معنيين من هذا القبيل لا تشكّل قرينية أقوى ممّا يستفاد من نفس المعنين، فيجب أن نحسب حساب نفس المعنيين لنرى أنّه متى ما كان الكلام مردّداً بين معنيين: أحدهما قرينة لصرف كلام آخر عن ظاهره والاخر معارض له فهل يعدّ هذا الكلام قرينة لصرف الكلام الآخر عن ظاهره، أو لا؟ فنقول:

تارةً يفرض أنّ هذا الكلام ظاهر في المعنى الذي يكون قرينة، ويكون المعنى المعارض خلاف الظاهر، وعندئذ لا إشكال في القرينيّة.

واُخرى يفرض العكس، كما في المقام، وعندئذ لا ينبغي الإشكال في عدم القرينيّة، فإنّه إن جعل المعنى الظاهر قرينة فالمفروض انّه معارض لا قرينة، وان جُعل المعنى الآخر قرينة فهو لا حجّيّة له حتّى يُعتبر قرينة، فان الحجّيّة ثبتت للمعنى الظاهر ولم تثبت للمعنى غير الظاهر، ولا معنى لافتراض القرينيّة لصراحة ناتجة من الجمع بين القرينية والمعارضة.

وثالثة يفرض الإجمال من قبيل مرسلة ابن أبي عمير: (أنّ الكرّ ألف ومئتا رطل)، وصحيحة محمد بن مسلم (أنّه ستمائة رطل)، حيث إنّه لم يذكر في الحديث أنّ المقصود هل هو الرطل العراقي، أو المكّي الذي هو ضعف العراقي، أو المدني الذي هو نصف مجموع العراقي والمكّي، فلو فرض أنّ المقصود من صحيحة محمد بن مسلم المكّي، كان قرينة على حمل المرسلة على العراقي، كما لو فرض أنّ المقصود من المرسلة العراقي كان قرينة على حمل الصحيحة على المكّي، وعندئذ نقول: إنّ أصل التعارض غير ثابت؛ إذ لم يحرز التكاذب بينهما؛ لاحتمال كون المقصود من المرسلة العراقي، ومن الصحيحة المكي، فيتوافقان، وإذا لم يحرز التكاذب بينهما فدليل الحجّيّة يشملهما معاً، ونستنبط الحكم لأمن باب قرينية إحداهما للاُخرى، فإنّ أصل التعارض غير ثابت، فنؤمن بحجّيّة كلّ منهما على إجماله(1)،


(1) اختار اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) في مثل هذا المثال في بعض بياناته إمكان جعل كلّ واحد منهما قرينة لرفع إجمال الآخر، وذلك بناءً على ما ورد في تقرير السيّد الهاشمي (حفظه الله) للاُصول: ج 3، ص 445 ـ 447، ونوكل بيان ذلك إلى بحث المجمل والمبيّن.