المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

606

الظهورين، والتحفّظ على الجزءين الآخرين، كذلك يمكن رفع اليد عن جزءي أحد الظهورين والتحفّظ على جزءي الآخر، ولا مرجح للأوّل على الثاني.

وتعميق المطلب هو: أنّ كلاّ من جزءي الظهورين معارض بمثله في مقابله، فظهور الأوّل في غير مأكول اللحم معارض بظهور الثاني في غير مأكول اللحم، وظهور الأوّل في المأكول معارض بظهور الثاني في المأكول، فما معنى أن نأخذ اعتباطاً من المتعارضين الأوّلين الأوّل ومن المتعارضين الآخرين الثاني؟!

الوجه الثانى: دعوى تطبيق الجمع العرفي. ونوضّح ذلك بذكر مثالين: أحدهما في الجمع في جانب الموضوع، والثاني في الجمع في جانب الحكم.

المثال الأوّل، قوله: (ثمن العذرة سحت) و(لا بأس بثمن العذرة) فكلمة (العذرة) في كلّ من الكلامين لها دلالتان؛ دلالة وضعيّة، وهي دلالتها على ماهية العذرة الجامعة بين المطلق والمقيّد، ودلالة بمقدّمات الحكمة، وهي دلالتها على الاطلاق. ولو كنّا نحن والدلالتين الوضعيتين لما كان يوجد أيّ تعارض بينهما؛ فإنّ غاية ما تدلاّن عليه أنّ ثمن العذرة بنحو القضية المهملة سحت، وأنّه بنحو القضية المهملة لا بأس به، فالتعارض إنّما هو بين إطلاق كلّ منهما والدلالة الوضعية للآخر، وحيث إنّ الدلالة الوضعية مقدّمة على الإطلاق على ما يقوله جملة منهم كالسيد الاُستاذ، فيسقط الإطلاقان، وتبقى الدلالتان الوضعيتان، ومفادهما القضية المهملة التي هي في قوّة الجزئية، وإذا كان ثمن العذرة سحتاً في الجملة فالقدر المتيقّن من ذلك عذرة غير مأكول اللحم، وإذا كان لا بأس بثمنها في الجملة، فالقدر المتيقّن من ذلك عذرة المأكول، فنستنتج حرمة الأوّل وحلّيّة الثاني.

المثال الثاني: لو قال: (افعل كذا) وقال ايضاً، (سيّان ان تفعل، أو لا) فالأوّل صريح في الرجحان، وأصل الطلب ظاهر في الوجوب، والثاني صريح في الإباحة بالمعنى الأعمّ، وظاهر في الاباحة بالمعنى الأخصّ، ولا معارضة بين الصريحين، وصريح كلّ منهما قرينة لرفع اليد عن ظاهر الآخر، فيثبت الاستحباب.

والجواب عن هذا الوجه نوضّحه أوّلا بالتكلّم عن المثال الثاني، ثمّ التكلّم عن المثال الأوّل.

فنقول: إن قوله مثلا: (سيّان ان تفعل، أو لا) له معنيان: الأوّل إرادة الإباحة بالمعنى الأخصّ، وهذا هو الظاهر، والثاني إرادة الإباحة بالمعنى الأعمّ بحدّه، أي: مجرّد نفي الوجوب والحرمة من دون نظر إلى الإباحة بالمعنى الأخص نفياً أو إثباتاً، وهذا المعنى خلاف الظاهر،