المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

600

يتقدّم سنديّاً على دلالة العامّ أيضاً؟ ويمكن الآن فرض أنّ العامّ قطعيّ سنداً، فدار الأمر بين عامّ قطعي السند ظنّي الدلالة وخاصّ ظنّي السند واضح الدلالة بالقياس إلى العامّ.

والصحيح: أنّ سند الخاصّ باق على حجّيّته في المقام بدليل حجّيّة خبر الثقة مثلاً، ودلالة العامّ الظنّيّة ساقطة عن الحجّيّة، والوجه في سقوطها عن الحجّيّة أحد أمرين:

الأوّل: أنّه لا إشكال في أنّ سيرة العقلاء التي هي من أدلّة حجّيّة خبر الواحد قائمة على العمل بالخبر الخاصّ ولو كان في مقابله عموم. والأوضح من هذا سيرة المتشرّعة التي هي من عمدة أدلّة حجّيّة خبر الواحد، فإنّه لا يحتمل أحد أنّ المتشرّعة إنّما كانوا يأخذون بما قاله الثقات ما لم يوجد هناك عامّ فوقاني يخالفه، بل لا إشكال في أنّهم كانوا يأخذون بالخاصّ ويخصّصون به العامّ، وإذا اعترفنا بوجود مثل هذه السيرة فلا يتعقّل عندئذ وجود سيرة ـ أيضاً ـ على العمل بظهور العامّ بالرغم من ورود الخاصّ، ولا يوجد هناك دليل غير السيرة يدلّ على حجّيّة ظهور العامّ.

الثاني: أنّه لو سلّم عدم ثبوت سيرة على أحد الطرفين وأنّ العقلاء يختلفون في العمل، فمنهم من يقدّم سند الخاصّ، ومنهم من يقدّم ظهور العامّ، قلنا: إنّه بناءً على هذا لا يبقى دليل على حجّيّة ظهور العامّ، فإنّ الدليل على حجّيّة الظواهر إنّما هو السيرة، والمفروض أنّ السيرة منتفية هنا. وأمّا سند الخاصّ فيوجد هناك ما يدلّ على حجّيّته غير السيرة، وهي عبارة عن الأدلّة اللفظيّة التي قبلنا دلالتها على حجّيّة خبر الواحد.

فإن قلت: إنّ هذا الكلام يتمّ في ما لو لم يفرض دليل لفظي على حجّيّة سند العامّ، وكانت حجّيّته بمحض حجّيّة القطع باعتبار افتراض العامّ قطعي الصدور. أمّا حينما يكون سند العامّ ـ أيضاً ـ داخلاً في دليل الحجّيّة اللفظي باعتباره خبر ثقة مثلاً، وقد دلّ الدليل على حجّيّة خبر الثقة، فهنا نقول: إنّ دليل حجّيّة سنده اللفظي بنفسه دليل على حجّيّة ظهوره؛ لأنّه إنّما يدلّ على حجّيّة السند بلسان: (اعمل بمفاد أخبار الثقات) فيقع طرفاً للمعارضة لدليل حجّيّة سند الخاصّ.

قلت: دليل حجّيّة أخبار الثقات لا تدلّ بحسب المتفاهم العرفي على أكثر من كون حال الأخبار الظنّيّة الصدور في العمل بها وبمفادها كحال الأخبار القطعيّة الصدور، ولو فرض العامّ والخاصّ قطعيّين لكان يقدّم الخاصّ على العامّ بلا إشكال، اذن فدليل حجّيّة السند لا يدلّ على حجّيّة دلالة العامّ حتّى في مقابل الخاصّ المشمول لنفس ذلك الدليل.

بقي الكلام في ما هي النسبة بين حجّيّة سند الخاصّ وحجّيّة ظهور العامّ؟