المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

575

ونضمّ إلى ذلك ما قالوا من أنّه في مورد من هذا القبيل تكون الزكاة الثانية مشروطة بعدم تقدّم ما يقتضي الزكاة الاُولى.

إذن فالزكاة الاُولى بجعلها ـ قبل أن تصبح فعلية ـ رفعت موضوع الزكاة الثانية.

وهذا المثال وإن كنّا نحن لا نقبله في الفقه لكنّ المقصود به هنا تقريب هذا القسم من الورود إلى الذهن.

 

الورود من الجانبين:

ثمّ إنّ الورود قد يفترض في بادئ الأمر من الجانبين، وهذا على أقسام:

الأوّل: أن يفرض أنّ كلاًّ منهما مشروط بعدم وجود حكم آخر يعارضه أو يزاحمه مطلقاً، فالحجّ والنذر مثلاً يفترض أن وجوب كلّ منهما مشروط بعدم الآخر مطلقاً، وهذا معناه أنّ كلاًّ منهما يتوقّف على عدم الآخر، وهذا مستحيل يوجب الدور، سنخ ما يقال في استحالة توقّف أحد الضدّين على عدم الضدّ الآخر، وعندئذ يقع التعارض بين الدليلين، لا لاقتضائهما الجمع بين الحكمين؛ فإنّ كلاًّ منهما مشروط بعدم الآخر، فلا يعقل اقتضاؤهما للجمع بين الحكمين، بل للقطع بكذب أحد الظهورين؛ لاستحالة صدقهما معاً.

الثاني: أن يفرض أنّ كلاًّ من وجوب الحجّ ووجوب النذر مثلاً مشروط بعدم الآخر على تقدير عدم الأوّل، أي: إنّ وجوب الحجّ يقول: إنّه لولا وجودي هل كان يوجد حكم آخر يعارض أو يزاحم وجوب الحجّ أو لا، فإن كان يوجد شيء من هذا القبيل فأنا لست بموجود. وكذلك الحال في وجوب النذر.

وهذا القسم معقول؛ لأنّ كلاًّ منهما يتوقّف على العدم اللولائي اللاخر، لا العدم الفعلي، فلا يلزم الدور، إلاّ أنّه عندئذ لو خلّينا نحن ودليلي الحجّ والنذر المفروض تقيّد كلّ منهما بعدم الآخر اللولائي، لم يصبح شيء منهما فعلياً، إلاّ أن يفرض أنّنا نعلم من الخارج بوجوب أحدهما، وعندئذ لو ظهر من الدليل الخارجي وجوب أحدهما تعييناً أو تخييراً فهو، وإلاّ عملنا بقوانين العلم الإجمالي.

الثالث: أن يكون كلّ منهما مقيّداً بالعدم الفعلي دون اللولائي للآخر، إلاّ أنّه لا يكون مقيّداً بعدم المخالف مطلقاً، بل يكون كلّ منهما مقيّداً بعدم حكم يمتاز ذلك الحكم على الحكم الأوّل في أنّه ليس مقيّداً بقيد من قبيل قيد الأوّل الذي يقتضي محكوميّته للأوّل، بل هو الحاكم على الأوّل، وعندئذ يكون مقتضى دليل كلّ منهما وجوبه، ولا يتقدّم أحدهما على