المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

561

موضوع التكليف، وهو مقدّم على البراءة بملاك تقدّم الأصل السببي على المسبّبي.

فإنّما يتصوّر الوقوع في المشكلة بالنسبة للشبهات الحكمية، والتحقيق فيها ـ أيضاً ـ تقدّم الاستصحاب. أمّا على البراءة التي تكون في عرض قاعدة قبح العقاب بلا بيان، فواضح، فإنّه يتقدّم عليها دليل الاحتياط فضلاً عن الاستصحاب. وأمّا على مثل (رفع ما لا يعلمون) فلأنّه لم يتمّ عندنا دليل على البراءة المعارضة لدليل الاحتياط والاستصحاب سنداً ودلالةً، إلاّ ما كان مطلقاً، ولم يتمّ عندنا ما يكون عامّاً، ودليل الاستصحاب عامّ ؛ فإنّ كلمة (أبداً) في قوله: «لا ينبغي أن تنقض اليقين بالشكّ أبداً» أوضح تعبير عن العموم، والعموم يقدّم على الإطلاق ما لم توجد مزيّة في الإطلاق توجب قوّته.

أضف إلى ذلك أنّ عدم قبول العرف للتفصيل في الاستصحاب المركوز في ذهنه بين موارد استصحاب الإباحة وموارد استصحاب التحريم ؛ لكون الارتكاز فيهما على حدّ سواء، وقبوله للتفصيل في البراءة بين موارد جريان استصحاب الحرمة وغيرها يجعل دليل الاستصحاب أقوى وأظهر في الشمول من دليل البراءة، ويوجب ذلك عدّ دليل الاستصحاب قرينة على رفع اليد عن دليل البراءة، ومقدّماً عليه.

ثمّ إنّه لو سلّم ما قد يقال من كون الاستصحاب ناظراً إلى إثبات الواقع ينفتح باب آخر لإثبات تقدّمه على البراءة ونحوها، ونحن نطرق هنا هذا الباب، وهو وإن لم ينفع في تقديم الاستصحاب على البراءة ونحوها ؛ لإنكار كونه ناظراً إلى إثبات الواقع، لكنّه ينفع في تقديم كلّ ما يكون ناظراً إلى إثبات الواقع من قبيل الأمارات وقاعدة اليد ونحوها، وحاصل الكلام في ذلك: أنّه قد ارتكز في ذهن المتشرّعة أنّ الشارع ليست وسيلة الإثبات عنده منحصرة في العلم، فإنّهم يعلمون إجمالاً ـ وعلى شكل إرتكاز غير محدّد الأطراف ـ أنّ ذوق الشارع في مقام الإثبات ليس على الاقتصار على العلم، وهذا الذوق كان واضحاً على الشريعة من أوائل أيّام الشرع، فلم يكن ذوق الشارع مثلاً على رفض العمل بالظواهر أو القواعد العقلائية من قبيل اليد، وهذا الارتكاز ثابت في أذهانهم وإن لم يعلموا حدود وسائل الإثبات تفصيلاً عند الشارع، وهذا الارتكاز غير المحدّد يجعل مثل دليل البراءة منصرفاً عن كون مفاده نفي سائر وسائل الإثبات عدا العلم، ويجعل عرف المتشرّعة يفهم من مثل قوله: «رفع ما لا يعلمون» أنّه بصدد رفع كلّ ما لم يعلم ولم يثبت بسائر وسائل الإثبات، إذن فكلّ ما يثبت بدليل آخر أنّه من وسائل الإثبات عند الشارع يصبح وارداً على مثل حديث الرفع، بل ما لم يثبت بدليل معتبر كونه وسيلة إثبات عنده لكن احتملنا