المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

519

يتصوّر مورد ينفكّ فيه دليل الحكمة عن جريان مقدّمات الحكمة في المتعلّق، فإنّه بعد أن فرض لزوم اللغوية لولا إرادة العموم فالمولى في مقام البيان حتماً، والذي لا يختصّ بالحكم دون المتعلّق. إذن فيثبت بهذا البيان العموم الزماني تحت دائرة الحكم حسب مصطلحات الشيخ النائيني(رحمه الله)(1).

هذا تمام الكلام في ما ذكره الشيخ الأعظم(رحمه الله) من أنّ الزمان إن كان مقيّداً للعام ومفرّداً له صحّ التمسّك به بعد انتهاء أمد التخصيص، وإلاّ فلا.

وأمّا ما أضافه المحقّق الخراساني (رحمه الله) من أنّ الزمان إن كان قيداً للخاصّ لم يجرِ استصحاب حكم الخاصّ، وإن كان ظرفاً له جرى استصحابه، فهذا ـ أيضاً ـ ليس مطلباً جديداً، وإنّما هو تفريع على ما مضى من تنبيه استصحاب الزمان، حيث عرفنا هناك أنّ الشيء إذا قيّد بالزمان أصبح مبايناً مع ما يقع في زمان آخر، فلا يمكن الاستصحاب فيه، فالإكرام في الليل مثلاً مقيّداً بكونه في الليل غير الإكرام في النهار.

 


(1) لدينا اعتراض آخر على الشيخ النائيني (رحمه الله) وهو: أنّنا إذا حصرنا الحديث في الأحكام التي يكون لها متعلّق وفق مصطلح الشيخ النائيني (رحمه الله) وهي الأحكام التكليفية، فإن كان حديثنا في الحكم الإيجابي فنحن لا نتصوّر معنىً لكون العموم فوق دائرة الحكم، بل ينحصر عموم الحكم وشموله بشمولية متعلّقه، ويكون العموم دائماً تحت دائرته، فلو فرض أنّ المتعلّق لم يكن شمولياً ولم يقصد به إلاّ صِرف الطبيعة، فعموم الحكم بمعنى استمراره لا يوجب على المكلّف تكرار الامتثال، فإنّ الامتثال إذا حصل سقطت فاعلية الحكم؛ لأنّ الحكم لا يتطلّب إلاّ امتثال متعلقه، وقد حصل، وليس الامتثال مسقطاً لأصل الحكم، فالحكم مستمر دائماً ما لم يحصل البداء للمولى، وهذا الاستمرار لا يعني الشمولية بالمعنى الموجب لتكرار الامتثال، فلا سبيل لشمولية الحكم بالمعنى الموجب للاستمرار على الإتيان بالمتعلّق إلاّ شمولية المتعلّق.

وأمّا لو تكلّمنا في الحكم التحريمي فهنا يرد ما مضى من اُستاذنا الشهيد (رحمه الله) من أنّ إطلاق المتعلّق كاف في إثبات الشمولية باعتبار أنّ التقابل بين الإطلاق والتقييد تقابل العدم والملكة، أو السلب والإيجاب، لا تقابل التضادّ، فلا يحتاج إلى مؤونة زائدة، وإطلاق المتعلّق في موارد التحريم يوجب ضرورة تركه بجميع حصصه.

نعم، الشمولية بمعنى كون الحكم على الحصص كي يمكن القول بأنّ سقوط حصّة بالتقييد لا يوجب سقوط الباقي بحاجة إلى مؤونة زائدة، لكن المفروض في باب التحريمات بشكل عامّ ثبوت هذه المؤونة الزائدة، وهي القرينة العامّة التي نحمل بها عادةً التحريمات المطلقة على الاستغراق.

وأمّا لو تكلّمنا في الأحكام الوضعية من قبيل الطهارة والنجاسة فأيضاً الشمول فيها إنّما يفهم من إطلاق الموضوع، أو عمومه، وتقييده بزمن خاص مثلاً، ولو لم يكن الموضوع عامّاً أو مطلقاً فلا معنى لاستمرار الحكم بعد انتهاء موضوعه، فهنا ـ أيضاً ـ يكون العموم تحت دائرة الحكم دائماً.