المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

410

آخر وهو العنب غير الغالي، بأن تسحب الحرمة إلى الحالات المتأخّرة عن العنب غير الغالي؛ إذ في هذا الاُفُق لا تُرى حرمةٌ حتّى تستصحب.

ثمّ إنّ هذا الذي أفاده(رحمه الله) في مقام توضيح كلام اُستاذه صاحب الكفاية إنّما هو تفسير بما لا يرضى صاحبه، فإنّ الذي ذكره صاحب الكفاية في تعليقه على الرسائل(1) لا يمتّ إلى هذا المعنى بصلة؛ ولذا صرّح في كلامه بأنّ الفرضيّة التي يذكرها خارجة اصلاً عن مسألة الاستصحاب التعليقي، وراجعة إلى مسألة الاستصحاب التنجيزي الذي لا كلام فيه، بل مقصوده هو التفصيل بين شرط الحرمة وشرط الحرام.

وتوضيح ذلك: أنّه كما يقال في باب الوجوب: أنّ الشرط تارةً يكون شرطاً للوجوب واُخرى شرطاً للواجب، إلاّ أنّ شرط الواجب الخارج عن كونه قيداً للوجوب يجب أن يكون اختيارياً كي يصحّ ترشّح الوجوب إليه، كذلك يقول الشيخ الأخوند(رحمه الله) في باب الحرمة: إنّ الشرط وهو الغليان مثلاً يمكن أن يفرض شرطاً للحرام كما يمكن أن يفرض شرطاً للحرمة، ولا يضرّ هنا في فرض كونه شرطاً للحرام دون الحرمة خروجه عن القدرة؛ إذ ليس المفروض ترشّح وجوب إليه، وفي هذه الفرضية، أعني فرضية رجوع الشرط إلى الحرام دون الحرمة لا بأس باستصحاب الحرمة؛ لأنّها فعلية قبل الشرط، ويكون هذا استصحاباً تنجيزياً وخارجاً عن مبحث الخلاف في الاستصحاب التعليقي(2).

 


(1) ص207 بحسب النسخة التي هي من منشورات مكتبة بصيرتي في قم.

(2) قد يتوهم أنّ ما ذكره صاحب الكفاية هنا من جريان الاستصحاب في فرض كون الغليان مثلاً شرطاً للحرام لا للحرمة مرجعه إلى ما اختاره اُستاذنا الشهيد(رحمه الله)من أنّه لو قال: (العنب إذا غلى يحرم) أو قال: (العنب يحرم الغالي منه) صحّ الاستصحاب، ووجه الرجوع إليه: أنّه في هذين المثالين أخذ شرط الغليان في طرف الحكم المحمول، فكان إذن شرطاً للحرمة، وهذا بخلاف ما لو قال: (العنب الغالي حرام) فإنّ الغليان أخذ عندئذ في طرف الموضوع، فهو شرط للحرام.

ولكن لعلّه يظهر بأدنى تأمّل الفرق بين الرأيين، ففي كل من المثال الثاني والثالث كان الغليان موضوعاً والحرمة محمولة حسب مصطلح المنطق من الموضوع والمحمول، وفي المثال الأوّل كان الغليان شرطاً والحرمة جزاءً.

وإنّما مقصود الشيخ الآخوند(رحمه الله)هو أنّ الغليان قد يكون داخلاً في ما يقدّر وجوده حتّى يحكم بالحرمة، وقد لا يكون كذلك، بل يكون قيداً للحرام، ففي الأوّل يكون الاستصحاب تعليقياً، وفي الثاني يكون تنجيزياً لا شك في جريانه، في حين أنّ أستاذنا الشهيد(رحمه الله)يقصد التفصيل بين عرضيّة القيدين المقدّري الوجود، وهما العنبية والغليان، وعدم العرضية بأن يكون العنب مأخوذاً مقدّر الوجود في موضوع قضية مؤتلفة من موضوع أو شرط، وهو الغليان، ومحمول أو جزاء وهو الحرمة، فإن فرض القيدان عرضيين لم يجرِ الاستصحاب؛ لانتفاء اليقين