المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

409

لكنّ الصحيح: أنّه هنا ـ أيضاً ـ لا يمكن إجراء الاستصحاب؛ لأنّ هذا العلم يكون منوطاً بفرض غليانه في الزمان السابق، لا بفرض غليانه ولو الآن، والفرق الزمني وإن كان المفروض إلغاؤه في باب الاستصحاب في طرف المستصحب لكنّ إلغاءه في طرف العلم المنوط(1) مؤونة زائدة تحتاج إلى قرينة.

الإشكال الرابع: ما ذكره المحقّق الإصفهاني(رحمه الله)(2) ناقلاً له عن اُستاذه صاحب الكفاية من أنّ حكم حرمة العنب المغلي مجعول بنحو القضية الحقيقية لا الخارجية، والفرق بين القضيّة الحقيقيّة والخارجيّة هو: أنّ الحكم في القضيّة الخارجيّة إنّما هو على الأفراد الموجودين خارجاً. وأمّا في القضية الحقيقيّة فهو يشمل ـ أيضاً ـ الأفراد المقدّرة الوجود، فهذا العنب وإن كان غير غال، لكنّ تقدير غليانه موضوع للحرمة، فالحرمة فعليّة على الغالي المقدّر.

ولا يقصد بهذا ما مضى في الإشكال الثاني من أنّ الشرط للحكم هو الوجود اللحاظي لا الخارجي، بل هو يسلّم أنّ الشرط هو الغليان الخارجي ويتكلّم في استصحاب الحرمة الجزئية لا الحرمة الكلّيّة التي جعلها المولى على لحاظه للغليان، كما في الإشكال الثاني، ولكنّه يقول: إنّ الغليان الخارجي كما تكون أفراده المحقّقة الوجود مشمولة للحكم كذلك تكون أفراده المقدّرة الوجود مشمولة للحكم، فيستصحب تلك الحرمة الجزئية الثابتة بلحاظ الفرد المقدّر الوجود.

وهذا الكلام في غاية الغرابة، فإنّ معنى كون القضيّة الحقيقيّة شاملة للفرد المقدّر الوجود إنّما هو ثبوت الحكم على الفرد المقدّر الوجود بما هو منظور إليه بالنظر الأوّلي الذاتي دون الحمل الشائع؛ إذ بمنظار الحمل الشائع ليس إلاّ صورة نفسية داخلة في نفس المتصوّر، ولكن حينما ينظر إليه بمنظار الحمل الأوّلي الذاتي يُرى عنب غال، فيُحكم عليه بالحرمة، وهذه الحرمة تستصحب في الاُفق الذي تُرى، وهو اُفق النظر بمنظار الحمل الأوّلي إلى العنب الغالي. إذن يثبت الاستصحاب بقاء الحرمة في الظروف التي تُرى ـ أيضاً ـ بهذا المنظار بعد فرض كونه عنباً غالياً، أي: إنّه يستصحب بقاءً حرمة العنب الغالي إذا تغير طعمه بعامل وشككنا أنّ تغيّر طعمه يوجب تغيّر الحكم أو لا مثلاً، ولا يستصحب بقاء الحرمة في اُفُق


(1) مسامحةً وعرفاً كما ورد في كلام الشيخ العراقي(رحمه الله)في المقالات في مقام دفع هذا الإشكال.

(2) في تعليقته على الكفاية: ج5، ص173 ـ 174 بحسب طبعة آل البيت.