المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

408

وهنا إشكال آخر يرد على المحقّق العراقي(رحمه الله) وهو: أنّ الاستصحاب إن فرض إجراؤه من قِبل الفقيه قبل وجود الموضوع خارجاً، فعلمه منوط بغليان العنب، فلو ثبت التعبّد بالعلم بواسطة الاستصحاب فمقتضى القاعدة هو أن يثبت التعبّد بالعلم بحرمة الزبيب منوطاً بغليانه عنباً، أي: أنّه لو غلى في حالة العنبية ثمّ فرض طروّ الزبيبيّة عليه كان حراماً، وهذا لا علاقة له بالاستصحاب التعليقي، إلاّ أن يقال بإجراء مسامحة في جانب العلم المنوط بإلغاء هذا القيد في طرف العلم، كما يفترض إلغاء حالة العنبيّة والزبيبية في مقام تصحيح وحدة المتيّقن والمشكوك، إلاّ أنّ إلغاء ذلك في طرف العلم المنوط مؤونة زائدة تحتاج إلى دليل.

نعم، لو فرض إجراء الاستصحاب بعد العلم بوجود الموضوع خارجاً وهو العنب الذي صار زبيباً فقد يتخلّص من الإشكال الذي أثرناه بأن يقال: إنّنا نشير إلى هذا الجسم الخارجي ونقول: إنّنا نعلم أنّه في ما سبق كان إذا غلى يحرم، فالعلم كان منوطاً بفرض الغليان وتقديره، دون فرض العنبيّة؛ لأنّ العنبيّة ثابتة في الخارج(1) فنجرّ هذا العلم إلى ما بعد الزبيبية.

 


تقييد المفاهيم وتحصيصها غير معقول، وكونه قيداً له من باب تقيّد العلم بسببه ـ أيضاً ـ غير معقول؛ لأنّ تقدير الشرط ليس سبباً للعلم بالجزاء، وإنّما العلم بفعليّة الشرط قد يكون سبباً للعلم بفعليّة الجزاء.

ثمّ إنّ ما نقلناه عن اُستاذنا الشهيد(رحمه الله)في المقام في المتن قد يوحي بالصياغة الواردة في ما كتبناه في المتن إلى أنّ العلم لا يعقل أن يكون منوطاً بمعنى وجود ضيق فيه، وإنما يعقل أن يكون منوطاً بشيء بمعنى كونه مسببّاً عنه، ومتولّداً منه.

فإن كان حقّاً هذا هو مقصوده(رحمه الله)فإنّي أتذكّر أنّه(رحمه الله)عدل عن ذلك حين ما كان يهيّئ أبحاث ما أسماه بعد ذلك بالاُسس المنطقية للاستقراء، حيث رأى عندئذ: أنّ العلم قد يدخل عليه ضيقٌ من غير ضيق المعلوم، ولم يكن يقصد بذلك تضييق العلم مفهوماً وتحصيصه حتى يرد عليه: أنّ هذا إنّما يناسب باب المفاهيم لا باب الوجودات، بل كان يقصد بذلك تحجيم نفس الوجود الخارجي للعلم ببعض التقادير، إلاّ أنّ ذلك لا يبطل نتيجة البرهان الذي أقامه هنا لابطال كلام المحقق النائيني(رحمه الله)؛ لأنّه لم يكن يقبل تحجيم العلم إلاّ بتقدير سببه، من قبيل أنّ علمنا بأنّ هذا الجسم الفلاني مثلثٌ مثلاً يكون محجّماً ومقدّراً بتقدير سلامة بصرنا، فلو سُئلنا: هل على تقدير عدم سلامة البصر وكونه يَرى نتيجة مرضه اُموراً خيالية تعلم ايضاً بذلك؟ لقلنا: لا، في حين أنّ علمنا باستحالة اجتماع النقيضين مثلاً مطلق، أي: ليس مقيّداً ومضيّقاً بتقدير سلامة بصرنا، فالعلم إنّما يعقل أن يكون فعليّاً ومنوطاً في وقت واحد حينما يلحظ بالقياس إلى سببه، مع فرض كون سببه فعليّاً. أمّا لو قيس إلى غير سببه فقد يكون فعلياً، لكنّه لا يكون منوطاً، ولو قيس إلى سببه غير الفعلي فلا يكون فعلياً، لكنّه منوط بسببه، بمعنى منوطيّة كلّ مسبّب بسببه، وبمعنى أنّه لو وجد ذاك العلم لما كان وجوده واسعاً، وعلى كلّ تقدير، بل محدداً بتقدير سببه.

(1) هذا مبنيّ على تفسير الإناطة بمعنى لا يناسب إلاّ مع كون المنوط به تقديرياً لا فعليّاً.