المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

384

هذا ما يمكن أن يقال في مقام تنجيز الحكم على المكلف.

غير أنّ هنا شيئاً وهو: أنّه قد يقال في فرض مطلق الوجود مع الشكّ في ساعة جديدة للنهار: أنّه تجري البراءة للشك في تكليف زائد، وبجريانها ترتفع قاعدة الاشتغال؛ لأنّ حكم العقل بالاشتغال معلّق على عدم ترخيص الشارع في الترك، والبراءة ترخيص منه. ولا يحكم عليها استصحاب بقاء الزمان؛ لأنّ هذا الاستصحاب إنّما يثبت بقاء وجوب الصوم بين الحدّين، ولا يثبت وجوب الصوم في هذه الساعة.

وبكلمة اُخرى: الاستصحاب إنّما يثبت وجوب المقيّد، والمفروض أنّنا عجزنا عن إثبات حصول التقيّد للصوم في هذه الساعة، وإنّما نصوم في هذه الساعة لأنّ الشيء الوحيد الذي يحتمل كونه امتثالاً لذاك الحكم الاستصحابي هو هذا، فيجب بحكم قاعدة الاشتغال والبراءة نجريها عن وجوب صوم هذه الساعة بالخصوص، فليست البراءة جارية عمّا يترتب على الاستصحاب حتّى تكون محكومة له.

ويقال هذا الكلام ـ أيضاً ـ في فرض وجوب صرف الوجود إذا كان التكليف يحدث في الزمن المشكوك، فإنّه في مثله يقال بجريان أصالة البراءة عن وجوب الصلاة في هذه الساعة، واستصحاب النهار لا يثبت وجوب هذه الصلاة كي يكون حاكماً على البراءة، ومع


وحدة المصبّ العرفي وهو الوقت ـ آمنّا بذلك حتى على تقدير عدم اختيارية وصف النهار بنفس النكتة، والفرق بينهما بإمكان تعلّق الوجوب بوصف النهار لو كان اختيارياً وعدم إمكانه لدى عدم اختياريته لا يُبطل أصل النكتة، ولا يُبطل هذا التحليل في نظر العرف، وإنّما يوجب عدم ترشّح الوجوب إليه وأن لا يبقى معنىً لكون هذا الوصف قيداً للوقت الذي هو قيد الواجب، إلاّ كونه قيداً لاتّصاف الوقت بوجوب الواجب فيه. وهذا لا يعني طبعاً إخراج أصل التقييد بالوقت النهاري عن كونه تقييداً للواجب، بحيث يصحّ عندئذ الصوم بعد انتهاء النهار بدلاً عن الصوم في النهار، فإذا رجع قوله: (أمسك في النهار) إلى قوله: (أمسك في وقت يكون نهاراً) قلنا: إنّ كون الإمساك الآن إمساكاً في وقت ثابت بالوجدان، واتّصاف ذات الوقت بكونه نهاراً الذي هو قيد لاتّصافه بوجوب إمساكه ثابت بالاستصحاب؛ لأنّنا بنينا على صحّة استصحاب مفاد كان الناقصة في الزمان.

فليس حال الاستصحاب في المقام إلاّ حال استصحاب العدالة مثلاً في مثال (قلّد الفقيه العادل) إذ لا شكّ في أنّ عدالة الفقيه خارجة عادةً عن اختيار المقلّد، ومع ذلك لا شكّ في أنّه لو حصل التردّد في بقاء عدالة الفقيه جاز للمقلّد بقاؤه على تقليده؛ لأنّ تقليده تقليد للفقيه وجداناً، وهو باق على عدالته استصحاباً.

وبنفس البيان يصحّح استصحاب العدالة في ما لو قال: (صلّ الجمعة خلف العادل) فإنّ العرف يحلّل ذلك إلى قوله: صلّ الجمعة خلف إمام متّصف بأنّه عادلّ، والصلاة خلف هذا الرجل صلاة خلفَ إمام بالوجدان وهذا الامام عادل بالاستصحاب، وتكون عدالته شرطاً في مصداقيته لمن تجب الصلاة خلفه.