المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

383

وأُخرى يفرض: أنّنا شاكّون في عدد ساعات النهار: هل هي اثنتى عشرة ساعة أو ثلاث عشرة، وقد مضت اثنتى عشرة بالتأكيد، فيشكّ في بقاء النهار بعدها، فهنا ربما يتصوّر صحّة الرجوع إلى البراءة، حيث يشكّ في التكليف الزائد في الساعة الزائدة سواء كان الواجب مركّباً استقلالياً بحسب الساعات، أو ارتباطياً، لكن هنا ـ أيضاً ـ يقال بجريان استصحاب الزمان لإثبات الوجوب وبقائه، وهو وجوب ظاهري يشكّ في القدرة على امتثاله، فتجري قاعدة الاشتغال بلحاظه(1).

 


(1) وهناك فرض آخر أُهمل في المتن، وهو ما إذا كان الهدف من الاستصحاب الاجتزاء بالفرد المأتيّ به في الزمان المشكوك، لا تنجيز الواجب على المكلّف. مثاله ما لو ثبت وجوب التصدّق في نهار مّا، فتصدّق بعد احتمال غروب الشمس، فالأثر المرجوّ من الاستصحاب المثبت لبقاء النهار هو جواز الاكتفاء بهذا التصدّق، وأن لا يجب عليه التصدّق في يوم آخر، ولكنّ الاستصحاب ابتلى ـ على ما مضى ـ بمشكلة الإثبات؛ لأنّه لا يثبت كون التصدّق في النهار إلاّ بالملازمة.

وهنا ـ ايضاً ـ قد يقال: يمكن الوصول إلى الثمرة المطلوبة من دون إجراء الاستصحاب؛ وذلك لأنّ أمره ـ في الحقيقة ـ دائر بين التعيين والتخيير، أي: إنّه هل يتعيّن عليه التصدّق في يوم آخر، أو هو مخيّر بين ذلك وبين التصدّق في هذا الوقت؟ والمختار في موارد دوران الامر بين التعيين والتخيير هو البراءة عن التعيين.

ولكنّ الواقع: أنّ المرجع ـ بناءً على هذا البيان ـ يكون هو الاشتغال؛ لأنّ المفروض هو العلم بوجوب عنوان التصدّق في النهار، والتردّد بين الأقلّ والأكثر ليس في التكليف، بل في مصداقية الامتثال، فيتعيّن عليه اختيار الفرد المتيّقن فرديّته لهذا العنوان وهو التصدق في يوم آخر.

وهذا الذي ذكرناه لا يختصّ بباب الزمان، فلو قال مثلاً: صلِّ صلاة الجمعة خلف العادل، فالعدالة قيد للواجب، وعدالة الإمام خارجة غالباً عن اختيار المأموم، فلا ترجع إلى الجزء. أفهل يلتزم أستاذنا(رحمه الله)أنّه لو شكّ في بقاء عدالته لا يجري استصحاب عدالته، وبالتالي لا تجزي الصلاة خلفه؟!

والذي يبدو لي فعلاً هو أنّه لا مانع من استصحاب الزمان في مورد كونه قيداً للواجب، فإذا شكّ مثلاً في وجوب الإمساك للشكّ في بقاء النهار جرى استصحاب بقاء النهار، وكذلك لا مانع من استصحاب العدالة في المثال الذي ذكرناه، وكذلك الحال في كلّ قيود الواجب ولو كانت خارجة عن القدرة.

وتوضيح ذلك: أنّ نفس النكتة التي ترجع التقييدات الى التركيبات في الفهم العرفي ترجع مثل قوله: (أمسك في النهار) الى مثل قوله: (أمسك في وقت يكون نهاراً) تماماً كما هو الحال في ما لو كان جعل الوقت نهاراً أمراً اختيارياً للمكلّف، إلاّ أنّ الفرق هو أنّ هذا التحليل العرفي في فرض اختيارية وصف النهار يحوّل هذا الوصف إلى جزء الواجب، أي: يجب على المكلّف أن يصوم في وقت، وأن يجعل ذلك الوقت نهاراً، أو إلى مقدّمة الواجب، فيترشّح إليه الوجوب التقديري، ولكن بما أنّ هذا الوصف لم يكن اختيارياً، فهذا التحليل لا يؤدّي إلى تحوّل ذلك إلى جزء الواجب أو مقدّمة الواجب، بل يؤدّي إلى تحوّله إلى شرط اتّصاف الوقت بوجوب الإمساك فيه.

والخلاصة: أنّنا إن آمنّا بأنّ قوله: (أمسك في النهار) ـ لو كان وصف النهار أمراً اختيارياً ـ ينحلّ إلى قوله: (أمسك في وقت متّصف بالنهارية) ـ بنكتة أنّه لا علاقة مباشرة بين الإمساك في الوقت ووصف نهارية الوقت إلاّ