المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

371

وحركتها لها وقفات وسكنات ضيئلة لا ترى بالنظر السطحي، وبما أنّ هذه الوقفات والسكنات لا تلحظ عرفاً لا ترى الحركة إلاّ واحدة ممتدة متّصلة، وبذلك تتحقّق الوحدة المعتبرة، ولا يتصوّر أنّ هذا من باب اشتباه العرف وخطئه في تشخيص المصداق، وهو في مثله غير متّبع، وإنّما المتّبع نظر العرف في المفاهيم، فإنّ هذه القاعدة لو سلّمت بشكل عام لا يسلّم بها في المقام بالخصوص؛ لأنّ اعتبار الوحدة في جريان الاستصحاب ليس من باب الفهم العرفي والمفهومي للوحدة والتعدد حتّى لا يكون نظره محكّماً في تشخيص المصداق مثلاً، وإنّما هو بنكتة اُخرى تقتضي اعتبار الوحدة العرفية في جريان الاستصحاب، وتتميم الإطلاق في مفهوم الاستصحاب سوف يأتي شرحه في موضعه إن شاء الله.

4 ـ الاتّصال الادّعائي العرفي، أو قل: تغطية العرف للوقفات والسكنات والانفصالات المتخللّة بأن يوسّع في المفهوم بحيث يعمّ التخلل الواقع في البين، والذي يدركه ـ ايضاً ـ بنظره السطحي، لكنّه مع ذلك يغطيه ويوسّع من المفهوم بنحو يُرى واحداً، من قبيل ما إذا لاحظنا مفهوم الخطابة أو الكلام، فإنّه لا إشكال عقلاً وعرفاً في عدم اتّصال الجمل والأصوات الخطابية والكلامية بعضها ببعض، بل هنالك فجوات وتخللات، غير أنّ هذه الفجوات المتخلّلة باعتبار أنّهاترى كتوابع وشؤون للكلام يتغطّى في مفهوم الخطابة والكلام، بحيث يشمل الأعمّ من الأصوات والألفاظ مع الفجوات المتخللّة، ولهذا يقال: (خطب أو تكلّم فلان ساعة كاملة) مع أنّه إذا اُريد استثناء الفجوات والوقفات المتخللة لكان الزمان أقلّ من ساعة في المثال، فمثل هذا شاهد على دعوانا من أنّ العرف يوسع من دائرة المفهوم بحيث يجعله شاملاً لمثل هذه الفجوات التي يبصرها هو ـ أيضاً ـ ولا تخفى عليه كما في الصورة السابقة في مثال دوران عقرب الساعة، فيكون ـ لا محالة ـ شيئاً واحداً عرفاً له حدوث وبقاء.

5 ـ وقد يكون المنشأ في الوحدة العرفية أمراً آخر غير هذه الاُمور الأربعة جميعاً، فقد لا يكون هنالك ثبات وقرار، ولا اتّصال عقلي واقعي، ولا اتّصال عرفي كاذب، ولا تغطية وتوسيع في دائرة المفهوم، ومع ذلك تكون الوحدة العرفية المعتبرة في الاستصحاب محفوظة، وذلك حينما يتكرّر العمل ويتوالى في الوقوع والتحقّق ولو بفواصل زمنية واسعة، غير أنّ التكرار المتواصل والتعاقب المستمرّ يؤدّي إلى أن يعتبر العرف وحدة بلحاظ هذه الوقائع المتعدّدة، يجعل لها حدوثاً واحداً وبقاءً لذلك الأمر الواحد. مثاله: ما إذا اعتاد أن يباحث شخص في كلّ يوم، أو اعتاد على المشي فجر كلّ يوم، فإنّ زمن البحث أو المشي لا يقاس