المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

369

فإذا اتّضح هذا الأمر العرفي اتّضح الوجه في جريان الاستصحاب في الزمان وتماميّة أركانه فيه، حيث إنّه بهذا الاعتبار العرفي الذي ينزّل عليه دليل الاستصحاب يكون الزمان شيئاً واحداً له حدوث وبقاء يمكن التعبّد به حين الشكّ في بقائه على حدّ موجودات عالم السكون والقرار.

وقد حاول المحقّق الخراساني (قدس سره) التصدّي إلى جواب آخر(1)، وهو أنّ الحركة على قسمين: الحركة التوسطيّة، والحركة القطعيّة.

ويقصد بالأوّل الحركة بين المبدأ والمنتهى الذي يكون التحرّك فيها صادقاً بتمام حقيقته بين المبدأ والمنتهى في جميع الأنات كصدق الكلّيّ في تمام أفراده. ويقصد بالثاني الخطّ المقطعي الذي نسبته إلى كلّ أجزائه كنسبة الخط الوهمي الممتد في الخيال من مكان إلى مكان، وهي من قبيل نسبة الكلّ إلى أجزائه التي لا يستكمل حقيقته إلاّ بتمامها. ففي مثل الأوّل يجري الاستصحاب دون الثاني، ووجه ذلك: أنّ العنوان متحقّق وصادق في الأوّل بتمامه منذ اللحظة الاُولى فيجري استصحابه، وهذا بخلاف الثاني الذي لم يكتمل في كلّ مرحلة حقيقته، بل هو في اكتمال وتجدّد وحدوث.

والواقع: أنّ هذا البيان لا أثر له في دفع الإشكال؛ وذلك لأنّه: إمّا أن يعترف بالوحدة ولو عرفاً بين مراحل الحركة وحلقاتها بنحو يُرى شيئاً واحداً متّصلاً له حدوث وبقاء، فعندئذ ينبغي أن يعترف بجريان الاستصحاب حتى في مثل الحركة القطعية، أو لا يعترف بهذه الوحدة، أو يغضّ النظر عنها، فهنالك لا يتمّ هذا الكلام لتصحيح جريان الاستصحاب؛ إذ لو لم تكن هنالك وحدة بين المراحل والآنات في الزمان، بل كان كلّ آن ومرحلة وجزء فرداً جديداً آخر، فلا جدوى في جعل الحركة توسطيّة لإجراء الاستصحاب، فإن هذا الموضوع الكليّ المنتزع والذي نسبته إلى المراحل نسبة الكلّي إلى أفراده إذا اُريد استصحابه حين الشكّ، فهذا لا يكون إلاّ استصحاباً من القسم الثالث من أقسام الكلّي حسب مصطلح الرسائل في تقسيم الكلي؛ لأنّه يعلم بتحقق هذا المفهوم المنتزع ضمن الفرد المتيقن ويشكّ في


إلى بعض نحصل على ماء واحد لا على مياه متعدّدة، فالنهار ـ أيضاً ـ حينما يوجد ولو بجزئه يسمّى نهاراً، وحينما يضمّ إليه جزئه الآخر يفرض المجموع ـ أيضاً ـ نهاراً واحداً، وحينما يلتحق به الآن الثالث يكون المجموع ـ أيضاً ـ نهاراً واحداً، وهكذا الحال إلى آخر النهار.

(1) راجع الكفاية: ج 2، ص 315 بحسب الطبعة المشتملة في حاشيتها على تعليقات المشكيني.