المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

359

يكون موجوداً بوجود الإنسانية الخاصّة؟! فعنئذ يقال: بأنّ الاستصحاب جار في المقام؛ لأنّ الإنسانية الخاصّة التي تعلّق العلم بها وإن زالت يقيناً لكنّنا كنّا نعلم ضمناً بالإنسانية العامّة أيضاً، ولم يحصل لنا القطع بزوالها، بل نحتمل بقاءها ضمن فرد آخر، فكأنّ كلّ فرد مشتمل على إنسانيتين: إنسانية تخصّه وإنسانية مشتركة بين الكلّ، والاُولى قد زالت، والثانية محتملة البقاء ضمن وجود خارجيّ آخر، فيكون الاستصحاب بلحاظ الكلي تامّاً.

ولا يوجد ما يبطل جريان هذا الاستصحاب سوى ما ادّعاه المحقق العراقي(رحمه الله)(1) من استظهار اشتراط وحدة المتيّقن والمشكوك خارجاً، وعدم كفاية الوحدة المفهومية والذاتية لجريانه، وفي المقام هذه الوحدة غير محفوظة؛ لأنّ الإنسانية العامّة في زيد غيرها في عمرو وجوداً وإن كانت نفسها حقيقةً وذاتاً، ولا يبعد صحّة هذا الاستظهار عرفاً.

وأمّا على مسلكنا الذي شرحناه فيما سبق من أنّ الكليّة والجزئية ليست بلحاظ الخارج أصلاً، فليس هنالك إلاّ إنسانية واحدة في الخارج، لكن هذه الإنسانية تختلف نحو تلقيّها وانطباعها في الذهن، فإذا جاءت بما هي هي، أي: بما هي مفهوم مجرّد عن التعيّنات سمّي ذلك بالكلّي، وإذا جاءت مع التعيّن كان جزئياً، فعندئذ نستغني عن الشرط الذي استظهره المحقق العراقي(قدس سره) سواء كان في نفسه صحيحاً أو لا، فنقول: هل يراد استصحاب بقاء زيد؟ فهذا ما نعلم بانتفائه، أو بقاء عمرو؟ فهذا ما لم نحرز حدوثه، أو بقاء الجامع، أي: كلّي الإنسانية؟ فهذا ممّا لم نعلم به إلاّ بنفس العلم بالفرد الذي زال بالفرض. إذن فلا تتمّ أركان الاستصحاب في هذه الصورة في شيء حتّى يمكن جريانه.

وربّما يناقش في هذا البيان بأنّنا كما نعلم بالفرد كذلك نعلم في ضمن ذلك بالجامع، فإنّ العلم بالفرد ينحلّ إلى العلم بالكلّي والعلم بالخصوصية والتعيّن، فإذا انتفى الثاني للقطع بانتفاء الفرد فالأوّل لا يقطع بارتفاعه؛ لأنّ نسبة الصورة الكليّة إلى كلّ الأفراد على حدّ واحد. إذن فليستصحب الكلّي في الصورة التي علمنا فيها تفصيلاً بالفرد وكان الأثر للكلّي وشكّ في بقائه، حيث يستصحب بمقدار الكلّي المعلوم ضمن العلم بالفرد.

وقد يصاغ الإشكال بنحو النقض، فيقال: إنّه بإمكاننا أن نقصد صورة تدخل في هذا القسم من استصحاب الكلّي لا يتمّ فيها هذا الإشكال، وذلك بأن نفرض أنّ علمنا بالكلّي لم


(1) راجع نهاية الأفكار: القسم الأوّل من الجزء الرابع ص134 ـ 135، والمقالات: ج2، ص382 بحسب طبعة مجمع الفكر الإسلامي في قم.