المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

358

وشكّ في بقائه لاحتمال بقائه في فرد آخر بعد الجزم بارتفاع الأوّل ومن دون اقتران بالعلم الإجمالي، وذلك كما لو علمنا بدخول زيد في المسجد وخروجه، وشككنا في دخول عمرو في المسجد مقارناً لخروج زيد أو مقارناً لزمان تواجد زيد في المسجد، فهل يمكن إجراء استصحاب كلّي الإنسان مثلاً في المسجد، أو لا؟

ولتحقيق حال هذه الصورة من حيث جريان الاستصحاب فيها ـ وقد عبر عنه في اصطلاح الرسائل باستصحاب القسم الثالث من الكلي ـ ينبغي مراجعة التصوّرات التي ذكرناها في أوّل الحديث، والتي كان يختلف حال الاستصحاب باختلافها، فعلى التصوّر الأوّل الذي قال به الرجل الهمداني من أنّ هنالك وجوداً واحداً سعياً تفرق فيه الأفراد والتعينّات والجزئيات، ينبغي المصير إلى جريان الاستصحاب في هذا القسم على اعتبار أنّ هذا الوجود الواحد السعي كان مقطوع الحدوث، وبالفعل يشكّ في بقائه، فإمكان الاستصحاب واضح فيه، والجزم بارتفاع الفرد الأوّل لا يوجب ارتفاع الشكّ عن الوجود السعي بعد أن كان الكلّي أمراً واحداً لا يتغيّر بتغيّر الأفراد، ولا يتعدّد بتعدّدها، ولا ينتفي بانتفاء بعضها، فهو واحد ذاتاً وحقيقة ووجوداً، ولا تنثلم هذه الوحدة بتغيّر فرد وتبدّله إلى آخر. إذن فاستصحابه وإبقاؤه قد حفظت فيه وحدة القضية المشكوكة والقضية المتيقّنة.

وعلى التصوّر الثاني الذي كان يرى من الكلّي الحصّة، ويفهم منه ذات الفرد مع قطع النظر عن خصوصيّاتها العرضيّة، والتحفّظ على خصوصيّة وجودها، يكون من الواضح عدم جريان الاستصحاب في المقام؛ لأنّ الحصّة التي علم بوجودها وتحقّقها قد علم بانتفائها أيضاً، والحصّة الثانية التي تتحقّق بالفرد الثاني ممّا لا يقين بحدوثها، وليس وراءها شيء آخر حتّى يكون هو المستصحب. إذن فعلى هذا التصوّر لا يوجد هنالك إلاّ حصّتان، لا يجري الاستصحاب بلحاظ شيء منهما؛ لعدم توفّر الشكّ في البقاء بلحاظ إحداهما وعدم إحراز الحدوث أو اليقين بالحدوث بلحاظ ثانيتهما.

وأمّا على التصوّر الثالث الذي لا يفهم الكلّيّ على أنّه وجود سعي، كما أنّه غير الحصّة التي هي الكلّي في التصوّر الثاني، بل هو مفهوم عامّ ينطبق على الأفراد، فإذا انسقنا من هذا التصور مع ما يتراءى من كلمات المشهور من علماء الكلام، والذي لعلّه هو المشهور عند الاُصوليين من أنّ هنالك مثلاً إنسانيتين: إنسانية ما، وهي الإنسانية المقشّرة عن تعيّنات الحصص، وإنسانية خاصّة، وهي الحصص، والثانية مشتملة على الاُولى، فهذا التصور يودّي بنا إلى الاعتراف بكون الكلّي أمراً خارجياً مع كلّ فرد فرد، لا ذهنياً، وإلاّ فكيف