المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

352

3 ـ أن نفترض التضادّ الذاتي بين الحدثين. وقد أفاد(رحمه الله)في هذه الفرضية: أنّه يجري استصحاب كلّي الحدث بنحو استصحاب القسم الثاني للكلّي، حيث تحقّق علم إجمالي بأحد الحدثين المتضادّين، فإن كان الأصغر فقد ارتفع بالوضوء، وإلاّ فهو باق قطعاً، فيستصحب بقاء الكلّي. ومن هنا وقع في مشكلة من الناحية الفقهية، حيث لا يمكن الالتزام بعدم كفاية الوضوء، ولزوم الغسل في مثل هذه الفرضية، وقد أفتى الأصحاب بكفاية الوضوء للطهارة، فاضطرّ إلى أن يجمع بين هذه الفتيا مع هذا التحقيق الاُصولي، بحمل فتاواهم على مبنى عدم التضادّ بين الحدثين.

لكنّ الصواب: أنّ المشكلة محلولة حتّى على هذه الفرضية كما حقّقه المحقّق النائيني(رحمه الله)(1)مبنيّاً على مبنىً فقهي في تحديد موضوع الطهارة من الحدث الأصغر والطهارة من الحدث الأكبر، بيانه: أنّ المستفاد من آية (إذا قمتم إلى الصلاة... إلخ)التي وردت في بيان الوضوء والطهارة أنّها فرضت المقسم هو الحدث الأصغر، حيث إنّه يستظهر منها ـ إمّا في نفسها أو بضميمة الروايات المفسّرة ـ أنّ المقصود هو القيام من النوم، وقد قسّم هذا المقسم إلى ما إذا كنتم على جنابة، وإذا لم تكونوا عليه، فجعل الأوّل موضوعاً لوجوب الغسل، والثاني موضوعاً لوجوب الوضوء، فيستفاد من ذلك أنّ موضوع الطهارة الوضوئية مركّب من جزئين: من كان على حدث أصغر ولم يكن محدثاً بالأكبر، وتفصيل الكلام في هذا المبنى ومبرراته موكول إلى محلّه في الفقه.

أمّا هنا فنأخذه أصلاً موضوعياً، ونقول: إنّ المكلّف في هذا الفرض بإمكانه أن ينقّح موضوع الطهارة بالوضوء، وذلك بإجراء استصحاب عدم الحدث الأكبر بعد أن كان محدثاً بالأصغر بالوجدان، فيثبت الموضوع المركّب، ويترتّب عليه حكمه، وهو الطهارة بالوضوء، وبذلك يحكم على استصحاب كلّي الحدث.

4 ـ أن نفترض الشكّ في التضادّ بين الحدثين، فلا يدري هل هما يجتمعان، أو لا؟ وقد أفاد(رحمه الله)هنا بأنّ هذه الصورة لا تلتحق بالصورة الاُولى، بل تلتحق بالصورة الثالثة، أي: ما إذا علم بالتضادّ من حيث النتيجة، حيث إنّ احتمال التضادّ مؤد إلى تشكيل العلم الإجمالي بين الحدثين، بحيث لا يبقى قطع وجزم بالحدث الأصغر على كلّ تقدير، فلا يكون استصحاب كلّي الحدث بعد الوضوء من القسم الثالث.


(1) راجع فوائد الاصول: ج 4، ص 427 بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم.