بثلاثة أنحاء:
1 ـ دعوى أنّ السيرة العقلائية ثابتة في الجري العملي في أغراضهم التكوينية، وقد سرت من موارد أفعالهم وأغراضهم التكوينية إلى موارد الأحكام بمرأىً ومسمع من الإمام(عليه السلام).
2 ـ دعوى أنّ سيرتهم في الجري العملي في أغراضهم التكوينية وإن لم تسرِ إلى باب الأحكام لكنّها تشكّل خطراً على أغراض المولى: إذ هي ـ على أيّ حال ـ في معرض السريان لا محالة، فلو لم يرضَ بذلك الشارع لردع عنه.
3 ـ دعوى السيرة بين العقلاء بما هم موالي، فيُرى في المولويات العرفية الإلزامية ـ كما هو الحال في الأب بالنسبة لا بنه مثلاً، أو الالتماسية كالصديق بالنسبة لصديقه ـ الاستصحاب منجّزاً ومعذّراً، وهذا أيضاً يشكّل ـ لا محالة ـ خطراً على أغراض المولى، فلو لم يرضَ المولى بذلك للزم الردع عنه.
والتحقيق: أنّ دعوى السيرة بالنحو الثالث غير ثابتة، وعهدتها على مدعيها، وكذلك الدعوى الاُولى، فإنّ السيرة ليست محكمة إلى درجة لا يحتمل عدم إسراء العقلاء لها إلى باب الأحكام، ولو من باب ثبوت ارتكاز ذهني لهم على أنّ الأحكام الشرعية يجب اتّخاذها من الشارع، خصوصاً أنّ القول بحجّيّة الاستصحاب لم يكن رائجاً بين العلماء الأقدمين، بل إنّ المحدّثين من أصحابنا قد اكّدوا على عدم حجّيّة الاستصحاب، و ادّعوا الإجماع على ذلك، ومن البعيد جداً أن يفترض بناء أصحاب الائمة(عليهم السلام) على الاستصحاب، ثمّ ابتعاد ذهن العلماء عن قبول الاستصحاب الى هذا المستوى فلا يبقى إذن عدا دعوى مجرّد السيرة الثابتة لدى العقلاء في أغراضهم التكوينية، وعدم الردع عنها الكاشف عن الإمضاء باعتبار أنّها تشكّل خطراً على أغراض المولى.
وأمّا الكلام في الكبرى فما يتصوّر رادعاً عن السيرة في المقام هي الأدلّة الناهية عن العمل بغير العلم مع أدلة البراءة أو الأحتياط، وقد جعل المحقّق الخراساني(رحمه الله) ذلك رادعاً عن السيرة هنا(1)، ولم يقبل رادعيّتها عنها في باب خبر الثقة(2)، ومن هنا اعترض عليه المحقّق النائيني(رحمه الله)(3) بأنّه لا وجه لهذا الفرق، فإمّا أن تكون رادعة في كلا المقامين، أو لا
(1) راجع الكفاية: ج 2، ص 280، بحسب الطبعة المشتملة على تعليقة المشكينيّ.
(2) راجع نفس المصدر، ص 99.
(3) راجع فوائد الاُصول: ج 4، ص 119، وأجود التقريرات: ج 2، ص 358.