المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

327

كفاية استصحاب الجامع عن استصحاب الفرد:

الجهة الثالثة: في أن استصحاب الجامع في هذه الصورة هل يكفي عن استصحاب الفرد، ويثبت الأثر المترتّب على الفرد، أو لا؟

وقد يستغرب في النظرة الاُولى من هذا التساؤل؛ إذ كيف يتصوّر ذلك مع أنّ استصحاب الجامع لا يجري لعدم الأثر فيه، حيث إنّ المفروض تعليق الأثر على الفرد، ولو جرى لا يفيد لإثبات الفرد بالجامع إلاّ بناءً على الأصل المثبت، وهو باطل على التحقيق.

والصحيح: أنّه بالإمكان تصحيح هذا الاستصحاب، وتخريجه بنحو تثبت به آثار الفرد.

بيان ذلك: أنّ هنالك تفسيرين لقوله(عليه السلام):«لا ينقض اليقين بالشكّ» أحدهما: يرى أنّ المدلول لهذه الجملة هو التعبّد بلحاظ المتيقّن، بأن يكون المقصود التعبّد ببقائه، أو ببقاء آثاره، أو جعل حكم مماثل لحكم المتيقّن ونحو ذلك. والثاني: يرى أنّ المدلول هو التعبّد بلحاظ نفس اليقين، بأن كان المقصود هو التعبّد ببقاء اليقين، وأنّه غير زائل بالشكّ، وأنّه ينبغي ترتيب نفس النتيجة التي كانت تثبت باليقين في حال الشكّ أيضاً.

فلو بنينا على الأوّل لم يصحّ هذا الاستصحاب، فإنّ المتيقّن ـ وهو الجامع ـ ليس له الأثر الشرعي، فلا يشمله التعبّد.

ولو بنينا على الثاني كان الاستصحاب صحيحاً لا محالة، فإنّ معنى الاستصحاب عندئذ هو جري العمل وفق ما كان يتطلّبه اليقين والعلم، ومن الواضح أنّ العلم الإجمالي حتّى عند من يرى تعلّقه بالجامع لا بالواقع يكون منجِّزاً لآثار الفردين الإلزامية، فيتطلّب من الشخص الجري وفق تلك الآثار، فإذا كان مغزى دليل الاستصحاب وجوب الجري وفق ما كان يتطلّبه العلم، ثبتت به ضرورة إجراء آثار الفرد في المقام.

وبما أنّنا قد ذكرنا في ما سبق: أنّ أدلّة الاستصحاب على قسمين: أحدهما ينظر إلى الحدوث، من قبيل قوله:«لأنّك أعرته إيّاه وهو طاهر»، والآخر ينظر إلى اليقين، من قبيل قوله:«لا تنقض اليقين بالشكّ»، فنحن نؤمن بكلا التفسيرين، أعني: التعبّد ببقاء المتيقّن وآثاره، والتعبّد بالجري وفق ما كان يتطلّبه اليقين، ونحن نستفيد من مكاسب كلا اللسانين الواردين، فمن ناحية نستفيد من الدليل الذي اُخذ فيه الحدوثُ الحكمَ ببقاء الحادث تعبداً، بلا تقيّد باليقين، فنُجري استصحاب ما ثبت حدوثه بالأمارة مثلاً، ونجري استصحاب الحصّة أو الفرد لدى العلم بالجامع. ومن ناحية اُخرى نؤمن ـ أيضاً ـ بالتعبّد بالجري العملي وفق ما يتطلّبه اليقين، فاستصحاب الجامع في المقام يكفي لترتيب آثار الفرد، فكأنّنا