المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

322

لأنّ الجامع بحدّه الجامعي غير قابل للإنشاء وإثبات الجامع في ضمن الفرد، يعني إنشاء أكثر ممّا كان متيقّناً، أو يقصد به ـ زائداً على ذلك ـ إنشاء ما يكون فرداً للمتيقّن، ومشتملاً على ما يزيد على المتيقّن، وهذا يعني إبراز جعلين، واستعمال اللفظ في معنيين(1).

وإما أن نفترض أنّ قوله:«لا تنقض اليقين بالشكّ» إخبار عن بقاء المتيقّن، ولا بأس بشمول ذلك للفرد المتيقّن وللجامع المتيقن، غاية ما هناك أنّ الجامع المتيقّن لا يمكن أن ينشأ بقاؤه إلاّ ضمن إنشاء بقاء الفرد، فنستكشف من إطلاق الأخبار أنّ الشريعة قد أنشأت مسبقاً تارةً: بقاء المتيقّن، وهو في مورد استصحاب الشخص، واُخرى: بقاء فرد المتيقّن، وهو في مورد استصحاب الجامع.

ومن الواضح أنّ حمل هذا النصّ على الإخبار خلاف الظاهر.

وهناك جواب ثالث على الشبهة، وفي هذا الجواب يفترض أنّنا نجري استصحاب الجامع بخصوصيّته الواقعية، لابحدّه الجامعي حتّى يبتلي بمشكلة عدم إمكان وجود الجامع بحدّه الجامعي، ومن هنا تكون هذه الإجابة تصحيحاً لاستصحاب الفرد في موارد استصحاب الكلّي، فهو يحلّ مشكلة الفقيه، غير أنّ المشكلة الاُصولية ـ وهي جريان الاستصحاب في الكلّي ـ لا تشمله هذه الإجابة.

وحاصل هذه الإجابة: أنّ هنالك مبنيين في تفسير العلم الإجمالي وما يتعلّق به، المبنى الأوّل يرى العلم الإجمالي متعلّقاً بالجامع لا بالواقع. وهذا ما اختارته مدرسة المحقّق النائيني(قدس سره)، وعليه لا يمكن إجراء الاستصحاب؛ لأنّ الخصائص الفرديّة ليست تحت العلم.

والمبنى الثاني يرى العلم الإجمالي متعلّقاً بالواقع بحدّه الواقعي، وإنّما فرقه عن العلم التفصيلي في الصورة والعلم، فالتفصيلي منه صورة واضحة جليّة، بينما العلم الإجمالي بمثابة الصورة المغبرّة التي اعتراها التشويه والغبر.

أمّا من ناحية ما يتعلّقان به فكلاهما ينصبّ وينحطّ على الواقع والخارج دون الكلّي.

وهذا ما اختاره المحقّق العراقي(رحمه الله). وعليه يكون الاستصحاب جارياً في موارد العلم الإجمالي بالوجوب أو الاستحباب، والظهر أو الجمعة ونحوهما من موارد استصحاب الكلّي، إذ العلم واليقين قد انصبّ على أحد الواقعين، فيكون استصحابه مثبتاً للحكم المماثل لذلك


(1) مضافاً إلى أنّ المعنى الثاني بعيد عن العبارة؛ لأنّ العبارة جاءت بلسان اليقين والشكّ، وخصوصيّة الفرد لم تكن متيقّنة.