المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

321

وثمّة جواب آخر ربّما يرد على الخاطر، وحاصله:

إنّ استصحاب الكلّي غاية ما يريد إثباته هي التعبّد بوجود الكلّي وتحقّقه بنحو مماثل للمستصحب، والكلّي وإن كان لا يمكن وجوده إلاّ ضمن الشخصي والخصوصيّة الوجوبيّة أو الاستحبابيّة مثلاً، وهذه الخصوصية ـ حسب الفرض ـ لم تتمّ فيها أركان الاستصحاب، غير أنّ هذه الخصوصية لا ينفيها الاستصحاب حتّى يكون مؤدّاه جعل الجامع والكلّي في غير تشخّص، فيكون مستحيلاً، بل الاستصحاب لا يثبت أكثر من الكلّي، فهو ساكت عن المقدار الزائد الذي لابدّ من ثبوته واقعاً حتّى يثبت الكلّي، فيعبّدنا الاستصحاب بوجود هذا الكلّي المماثل للمستصحب ولو كان ضمن إحدى الخصوصيتين من الوجوب والاستحباب.

وهذا الجواب مدخول فيه أيضاً: ذلك أنّه يستلزم الألتزام بأحد أمرين: استعمال اللفظ في أكثر من معنى، أو كون خطاب(لا تنقض اليقين بالشكّ) إخباراً عن الإنشاءآت الثبوتية، لا أنّه هو الإنشاء، والوجه في لزوم أحد هذين: أنّ الجامع الذي يعبّدنا به في موارد استصحاب الجامع لا يمكن إنشاؤه ـ كما عرفت ـ إلاّ في ضمن فرد معيّن الذي لا يقين بحدوثه، وعليه نقول: إنّنا إمّا أن نفترض أنّ قوله:«لا تنقض اليقين بالشكّ» إنشاء للأحكام المماثلة للمتيقّنات الموجودة في موارد الاستصحابات(ولا مانع من إنشاء الأحكام بالتصوّر الإجمالي، وبعنوان مشير كعنوان بقاء المتيقّن مثلاً)، وعندئذ فإمّا أن يقصد بعنوان عدم نقض اليقين بالشكّ بقاء ما كان متيقّناً، وبمقدار التيقّن فقط، فلا يشمل موارد استصحاب الجامع؛


الحكم المماثل إلاّ بمقدار المماثلة في الإنشاء، لا في المبادئ مختصّ بفرض ما إذا لم نشخّص تلك المبادئ، فلم تثبت الحالة السابقة بلحاظها. أمّا إذا شخّصناها، كما في فرض العلم بالوجوب، فهي تثبت بالاستصحاب كما يثبت الإنشاء به.

ولكنّ الواقع: أنّنا إمّا أن نفترض أنّ جعل الحكم المماثل تقصد به المماثلة في هويّة الحكم دون خصوصيّاته التي لا علاقة لها بالفصل، أو تقصد به المماثلة حتّى في خصوصية المبادئ التي فرض أنّها ليست فصلاً للحكم، فعلى الثاني نقع لدى استصحاب الجامع بين الوجوب والاستحباب في مشكلة: أنّ خصوصيّتي المبادئ لا يمكن افتراض وجود جنسهما دون الفصل، وعلى الأوّل نقع لدى استصحاب الوجوب في مشكلة: أنّه لا يتحقّق به الإلزام. أمّا لو ادّعي أنّه لدى العلم بخصوصيّة المبادئ الوجوبية نستصحب تلك المبادئ إلى جانب استصحاب أصل الحكم الإنشائي، فالجواب: أنّ المفروض في باب الاستصحاب أن يكون المستصحب حكماً شرعياً، أو موضوعاً لحكم شرعي؛ لأنّ الاستصحاب عبارة عن جعل الحكم المماثل للمستصحب، أو لحكمه، والمفروض لديه(رحمه الله) أنّ تلك المبادئ لا هي حكم شرعي، ولا موضوع لحكم شرعي، وإنما الحكم الشرعي الذي تجب علينا طاعته عبارة عن الأمر الإنشائي الذي يجعل بداعي جعل الداعي.