المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

319

وهذا المقدار من البيان كاف لإيضاح النقطة في المقام، وسيأتي شرح أكثر لحقيقة الكلّي.

الجهة الثانية: في مناقشة استصحاب كلّي الحكم، كما لو أردنا استصحاب الجامع بين الوجوب والاستحباب، أو الجامع بين وجوب الجمعة ووجوب الظهر. وهذا النقاش مبنيّ على أصل موضوعي وهو دعوى: أنّ المجعول في الاستصحاب هو الحكم المماثل لمؤداه.

حيث يقال عندئذ: إنّ الجامع بين الوجوب والاستحباب لا يمكن جعل مماثله بالاستصحاب؛ إذ كيف يجعل؟ أيجعل هذا الجامع الذي هو جنس لهما من دون فصل، أو يجعل مع فصل الوجوب أو الاستحباب؟

أمّا جعله من دون فصل ففيه محذور استحالة تحقّق الجنس من دون فصل. وأمّا جعله مع أحد الفصلين فهو على خلاف قاعدة الاستصحاب؛ إذ أركانه غير تامّة في الفصل؛ فإنّه لا علم به، فكيف يثبت به؟

ونحو هذا يقال ـ أيضاً ـ في استصحاب الجامع بين الوجوبين: وجوب الظهر ووجوب الجمعة؛ إذ كيف يثبت هذا الجامع والكلّي؟ أيثبت من دون متعلّق، أعني: الظهر أو الجمعة؟ فهذا مستحيل. أو يثبت على الجامع بين المتعلقين، بأن يثبت وجوب الجامع بين الظهر والجمعة؟ وهذا ـ أيضاً ـ باطل؛ إذ معناه ثبوت الوجوب التخييري بين الظهر والجمعة، وهو غير الحالة السابقة التي هي وجوب أحدهما يقيناً.

وواضح أنّ هذا النقاش لا يرد بناءً على غير مبنى جعل الحكم المماثل، فإنّه على مبنى جعل الطريقية مثلاً يقال: إنّ الاستصحاب يحقّق ويثبت للمكلف العلم التعبّدي بالجامع، وهو معقول؛ لأنّ العلم يتعلّق بالجامع بين شيئين، والأمر واضح.

وكذلك على مبنى التنجيز والتعذير، أو إبراز شدّة الاهتمام وعدمها، فإنّها كلّها معقولة في حقّ الجامع، حيث تكون شدّة الاهتمام أو التنجيز بمقدار الجامع لا أكثر.

وهذا الإشكال مخصوص باستصحاب الجامع بين الحكمين، لا الجامع بين موضوعين، فإنّ الحكم المماثل هناك الذي يراد ترتيبه بتنقيح الجامع حكم معيّن شخصي، وليس بجامع بين حكمين أو أكثر، كي يستحيل وجوده.

وقد أجاب عنه المحقّق الإصفهاني(رحمه الله) في حاشيته على الكفاية(1) بما حاصله: أنّ جعل الحكم المماثل ـ الأصل الموضوعي المأخوذ في هذا الإشكال ـ لا يعني جعل ملاك مماثل


(1) ج 5، ص 139 بحسب طبعة آل البيت.