المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

318

وإن قصدتم بهذه المناقشة أنّ الكلّي لا وجود له في الخارج كي يمكن إجراء الاستصحاب في حقيقة خارجية تكون هي موضوع الأثر الشرعي، فجوابكم: أنّ الكلّي يوجد له ما بإزاء في الخارج على حدّ الجزئي، فكما يجري الاستصحاب في حقيقة الجزئي كذلك يجري في الكلّي من دون فرق.

توضيح ذلك: أنّ الموجود الخارجي عبارة عن مجموعة حيثيات وخصائص تجمعت والتقت في وجود واحد، وبذلك امتازت عن غيره من الأفراد، حيث تختلف عنها في هذه الخصائص والمشخّصات الكيفيّة، أو الكميّة، أو الأينيّة، أو المتائية، أو أيّ مقولة اُخرى من المقولات، وقد بُني الكيان الذهني للإنسان بنحو بإمكانه أن يتصوّر بعض هذه الحيثيات والخصائص مجرّدة عن الاُخرى، ويستطيع أن يتصوّرها مجتمعة ملتقية مكوّنة لجزئي وفرد معيّن.

وهذا العمل الذي يقوم به الذهن ـ أعني: تصوّر الحيثيّة مجرّدة عن مقارناتها ـ يكون على نحوين، فإنّه تارةً يأخذ قيد التجرّد عن المقارنات قيداً في المتصوَّر، بأن ينصب التصوّر على الكيف المخصوص بما هو معرىً عن الحيثيّات الاُخرى، ومثل هذا المفهوم الذهني ـ لا محالة ـ لا تكون له حقيقة في الخارج؛ إذ كلّ حيثية تتحقّق في الخارج ـ لا محالة ـ تقارن حيثيّات ومشخّصات اُخرى، وتجتمع معها.

وطوراً لا يكون التجرّد من خصائص المتصوّر، بل يكون حقيقة لنفس التصوّر، وذلك بأن تقتصر القوّة المتصوّرة لدى الإنسان على تصوّر حيثيّة معيّنة لا غير، بأن تقف عليها، ولا تتجاوزها إلى سائر ما يكتنف ويتقارن معها، فيكون التجرّد منه حالة لنفس التصوّر، لا للعنوان المتصوَّر. وهذا هو الذي نسمّيه بالكلّي. وقد اتّضح بهذا البيان أنّه مفهوم له ما بإزاء في الخارج، فإنّ مثل هذا التصوّر ـ لا محالة ـ يحكي ويكشف عن الحيثيّة المتصوّرة به على حدّ حكاية مفهوم الجزئي عن مجموع الحيثيات والخصائص مجتمعة، غاية ما هنالك من الفرق: أنّ المفهوم الكلّي باعتبار تجرّده ـ أي: تجرّد نفس التصوّر فيه ـ يكون أوسع من مفهوم الجزئي، بحيث تتساوى نسبة كلّ الأفراد والوجودات الخارجية إليه. وهذا لا يعني عدم وجود ما بإزاء للمفهوم خارجاً كي لا يمكن استصحابه، ويعدّ ذهنيّاً بحتاً، بل له ما بإزاء في الخارج بلحاظ جميع أفراده منسوب إليها نسبة الآباء إلى الأبناء. إذن فكما يجري الاستصحاب في الموضوع الجزئي باعتباره حقيقة خارجية كذلك يجري في الموضوع الكلّي باعتباره حقيقة خارجية أيضاً.