المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

313

كما في أصالة طهارة الماء الذي غسل به الثوب المتنجّس، فيرد عليه: أنّه هل نُجري استصحاب مطلق الطهارة الظاهرية، أو استصحاب خصوص الحصّة من الطهارة للثوب الثابتة بأصالة طهارة الماء الذي غسل به؟ فإن قصد الثاني قلنا: إنّ تلك الحصّة بما هي حصّة لا يترتّب عليها أثر. وإن قصد الأوّل قلنا: إنّ الطهارة الظاهرية الثابتة بأصالة الطهارة ليست مشكوكة البقاء؛ لجريان أصالة الطهارة بقاءً في نفس الثوب.

ولا يقال: نحن نريد أن نثبت طهارة الثوب بقاءً بدليلين: أحدهما: أصالة الطهارة بلحاظ جريانها في نفس الثوب. والثاني: استصحاب الطهارة بلحاظ جريان أصالة الطهارة في الماء. والأوّل لا يمنع عن الثاني؛ لأنّ دليل أصالة الطهارة في الثوب ليس من الأدلّة القطعيّة كي يقطع الشكّ حقيقةً، ودليل أصالة الطهارة في الثوب إن لم يكن مطابقاً للواقع، ولم تكن أصالة الطهارة مجعولة فيه أمكن أن يكون دليل استصحاب الطهارة الظاهرية مطابقاً للواقع.

فإنّه يقال: إنّ هذا الكلام إنّما يتمّ لو احتملنا اختصاص الطهارة الظاهرية ثبوتاً بالماء مثلاً، وعدم جريانها في الثوب، أو قل: احتملنا اختصاص الحكم الظاهري ثبوتاً بموضوع المشكوك دون مورد الشكّ، وإلاّ فلا معنىً لجريان الاستصحاب؛ إذ نحن نقطع بأنّ الطهارة الظاهرية إن كانت ثابتة حدوثاً فهي ثابتة بقاءً، واحتمال التفكيك بين الحدوث والبقاء غالباً غير موجود فيما يكون دليل الحكم الظاهري في موضوع المشكوك بنفسه متكفّلاً للحكم الظاهري في مورد الشكّ، كما في أصالة الطهارة(1). نعم، هذا الاحتمال غالباً موجود في ما يكون دليل الحكم الظاهري في موضوع المشكوك غيره في مورد الشكّ، وذلك كما لو أثبتنا طهارة الثوب بأصالة صحّة غَسله، فإنّه من المحتمل مثلاً كون أصالة الصحّة في الواقع أصلاً مجعولاً في الشريعة، وعدم كون أصالة الطهارة كذلك، فهنا يكون مجال لاستصحاب الطهارة.

وأمّا قوله بعدم جريان الاستصحاب فيما إذا كان الأصل جارياً في مورد الشكّ، فهو ـ أيضاً ـ منقوض ببعض الموارد، كما لو شكّ في صحّة الصلاة بلحاظ بعض أجزائها الماضية، فأجرى قاعدة التجاوز، ثمّ شكّ في صحّة الصلاة شكّاً لم يتجاوز محلّه، وقلنا باستصحاب الصحّة، فقاعدة التجاوز هي أصل جرى في مورد الشكّ، فإنّ صحّة الصلاة ـ في ذوق من يقول بجريان استصحاب الصحّة ـ شيء واحد مستمرّ، تكون صحّة الأجزاء السابقة وعدم


الإشكال لا مورد له فيما هو موجود في مصباح الاُصول.

(1) إلاّ أن يكون دليلنا على أصالة الطهارة حديث(كلّ ماء طاهر) لا حديث(كلّ شيء طاهر).