المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

301

الاحتمال الثاني: أنّ الحدوث اُخذ في لسان الدليل من باب سحب التعبّد من مرحلة الحدوث إلى مرحلة البقاء. وبكلمة اُخرى: أنّه توجد هنا ثلاثة احتمالات: احتمال الوجود بعد الوجود، واحتمال العدم بعد الوجود، واحتمال العدم بعد العدم. والشارع أراد أن يعبّدنا بنفي الثاني فقط دون الثالث، ففرض الحدوث مفروغاً عنه.

وهذا بحاجة إلى شيء من التحليل. وتوضيحه: أنّ سحب التعبّد من مرحلة الحدوث إلى مرحلة البقاء، وإخراج الحدوث عن حيطة التعبّد إمّا أن يفترض بجعل التعبّد بالبقاء معلّقاً على الحدوث، بأن يقول: إن كان حادثاً فهو باق، حتّى يكون الحدوث شرطاً لهذا التعبّد، ومن قبيل قيد الوجوب الذي لا ينسحب عليه الوجوب لا من قبيل قيد الواجب، وإلاّ لسرى التعبّد إليه، كما أنّ إيجاب الصلاة المقيّدة بالطهارة يسري إلى الطهارة التي هي قيد الواجب، وهذا يعني أنّ الحدوث إذن كان موضوعاً للتعبّد بالبقاء، وهو الاستصحاب، فكأنّه لا يوجد هناك ترقٍّ عن الكلام الأوّل.

وإمّا أن يفترض بجعل مصبّ التعبّد هو الملازمة بين الحدوث والبقاء، فلا يكون الحدوث دخيلاً في ذلك، كما أنّ وجود العلّة ليس دخيلاً في الملازمة بين العلّة والمعلول. وعندئذ يرد عليه: أنّ الملازمة والسببيّة ونحو ذلك ليست قابلة للجعل على ما هو الصحيح عندنا، وعند المحقق الخراساني(رحمه الله)، وإنّما المجعول هو منشأ انتزاع هذه الأشياء. ففي المقام إنّما يجعل الحكم بالبقاء مشروطاً بالحدوث، فتنتزع من ذلك الملازمة بين البقاء والحدوث، فرجعنا مرّة اُخرى إلى الكلام الأوّل.

بقي في المقام الإشكال الذي أورده السيّد الاُستاذ على المحقّق الخراساني(رحمه الله) من دون أن يحلّل كلامه بالشكل الذي ذكرناه، وهو أنّه هل يقصد التعبّد بالملازمة بين الحدوث والبقاء الواقعيّين(1)، أو التعبّد بالملازمة بين تنجّز الحدوث وتنجّز البقاء(2). فإن قصد الأوّل لم يكن الاستصحاب أصلاً، بل كان أمارة مثبتة للبقاء واقعاً. وإن قصد الثاني لزم من ذلك بقاء


(1) قيل له(رحمه الله): يمكن فرض الملازمة ظاهرية، فيكون الاستصحاب أصلاً. فأجاب(رحمه الله) بأنّ: مقصود السيّد الاُستاذ ليس هو التعبّد بالملازمة بين الحدوث والبقاء التي تعدّ من الأحكام الوضعيّة حتّى يقال: إنّه لعلّها ملازمة ظاهرية، وإنّما يقصد فرض التعبّد بالبقاء على تقدير الحدوث.

أقول: والذي نسبه اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) هنا إلى اُستاذه يختلف شيئاً مّا عمّا ورد في المصباح: ج 3، ص 97 ـ 98 من تقريب الإشكال على الآخوند، فراجع وقايس بينهما.

(2) كأنّ الكلام مبنيّ على مبنى الآخوند(رحمه الله) من جعل المنجّزية، باعتبار أنّ الحديث متوجّه إلى الآخوند.