المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

290

فعلياً ـ أنّ استصحاب الطهارة في حال الصلاة لا يفيدنا حتّى في هذا الفرض الذي فرضه المحقّق العراقي؛ لأنّ المفروض أنّ الاستصحاب قد انقطع بعد الصلاة بحصول العلم بتوارد الحالتين، والاستصحاب إنّما يؤمّن ما دام موجوداً، وبعد زواله يزول معه التأمين، فلا يؤمّنه من عدم الإعادة(1).

ثمّ إنّنا بهذه المناسبة نتكلّم في صور العلم بالطهارة أو الحدث مع الشكّ الفعليّ أو التقديريّ، لكي نرى حال الصلاة في هذه الفروض في ضوء تطبيق ما عندنا من اُمور أربعة، اثنان منها مؤمِّنان، وهما استصحاب الطهارة وقاعدة الفراغ، واثنان منها منجِّزان، وهما استصحاب النجاسة وأصالة الاشتغال، ونلحظ في جانب الاستصحاب الشرط الذي يذكرونه من كون الشكّ فعلياً لا تقديرياً، لنرى أنّه هل تختلف النتيجة لدى الاعتراف بهذا الشرط وعدمه أو لا؟ كما نلحظ ـ أيضاً ـ في جانب قاعدة الفراغ ما يُذكر من شروط ثلاثة:

(1) كون الشكّ حادثاً بعد انتهاء الصلاة، لا حادثاً قبل ذلك.


(1) قد تقول: إنْ صحّ ما مضى من الملازمة بين الحصّة الحدوثية للاستصحاب والحصّة البقائية؛ لكون اختصاص الاستصحاب بحالة الغفلة موجباً للغويّته عقلاً أو عقلائياً، قلنا هنا أيضاً: إنّ الحصّة الحدوثية للاستصحاب تثبت الأمن بعد زوال الغفلة؛ إذ لولا ذلك للغت الحصّة الحدوثية.

وقد يقال: إنّ هذا الكلام إنّما يتمّ لو قلنا بأنّ الاستصحاب غير جار في ذاته في مورد توارد الحالتين. أمّا لو قلنا بأنّه جار في ذاته في مورد توارد الحالتين، ولكنّه ساقط بتعارض الاستصحابين، فهذا الكلام لا يتمّ ؛ لأنّ استصحاب بقاء الحدث يعارض استصحاب بقاء الطهارة حتّى بحصّته الحدوثية بعد فرض الملازمة بين حصّته الحدوثية والبقائية، فتسقط الحصّتان بمعارضته إيّاهما، ولا يبقى تأمين بعد زوال الغفلة.

ولكنّ الواقع، أنّ هذا الإشكال غير وارد في ذاته سواءً قلنا: إنّ مورد تعارض الحالتين مورد لتعارض الاستصحابين، أو قلنا: إنّه ليس مورداً للاستصحاب أصلاً؛ وذلك لأنّنا إنّما استفدنا في ما مضى من الملازمة بين الحصّة الحدوثية والبقائية من باب أنّ دليل الاستصحاب كان شاملاً في ذاته للاستصحاب المطلوب بكلتا حصّتيه: الحدوثية والبقائية من دون لغوية، ولم نكن نقصد إثبات الإطلاق بقانون صون كلام الحكيم عن اللغوية، فقلنا عندئذ: لو كانت القاعدة معارضة للحصّة البقائية للاستصحاب إذن هي معارضة للحصّة الحدوثية أيضاً، واستفدنا هذه المعارضة ممّا قلناه من الملازمة بين الحصّتين. أمّا في المقام فالمدّعى: أنّ دليل الاستصحاب لا يشمل في ذاته ـ وبقطع النظر عن معارض منفصل ـ الحصّة البقائية التي علم المكلّف في زمانها بتوارد الحالتين: إمّا لأجل تعارض الاستصحابين وتساقطهما، وإمّا بدعوى: أنّ مورد توارد الحالتين ليس مشمولاً في ذاته لدليل الاستصحاب، فإذا بطل الاستصحاب بحصّته البقائية كان الاستصحاب بحصّته الحدوثية لغواً. وهذا يعني بطلان الإطلاق لدليل الاستصحاب حتّى بلحاظ الحصّة الحدوثية. وهذا ـ كما ترى ـ ليس بحثاً عن سقوط الإطلاق بمعارض منفصل، بل هو بحث عن عدم انعقاد الإطلاق من أوّل الأمر، وقد مضى: أنه ليس بالإمكان إثبات الإطلاق وإثبات ما يتوقّف عليه عدم لغويته بلزوم اللغوية لولاه، فكم فرق بين الموردين.