المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

277

الشرعي الذي يكون اليقين موضوعاً له؛ لأنّ الإبرام العملي لليقين بمتيقّنه إنّما يكون باعتبار اقتضائه للعمل بمتيقّنه، لا باعتبار ما له من أثر شرعي جعل ذلك اليقين موضوعاً له، كما هو واضح.

والتحقيق: أنّه حتّى على الثاني ـ أيضاً ـ لا يشمل النقض العملي رفع اليد عن الآثار الشرعية لليقين، وإنّما يكون الرفع العملي لليقين بمعنى رفع اليد عن آثاره العقلية من التنجيز والتعذير. والشاهد على ذلك أنّه لا يستحسن عرفاً إسناد النقض إلى ما لا توجد له إلاّ آثار شرعية، وليس له أثر التنجيز والتعذير، فلا يستحسن مثلاً أن يقال: لا تنقض الماء بالتغيّر، بمعنى لا ترفع اليد عن أحكام الماء بتغيّره، أو لا تنقض جنون الشخص بمجرّد مضيّ مقدار من الزمان، أي: لا ترفع اليد عن أحكام جنونه من الحجر وغيره بمجرّد مضيّ الزمان. والسرّ في عدم شمول النقض العملي لرفع اليد عن الآثار الشرعية هو: أنّ موضوع الحكم ليس مقتضياً للعمل على طبق الحكم حتّى يكون عدم العمل به رفعاً عملياً له، فإنّ اقتضاء شيء للجري العملي: إمّا عبارة عن الاقتضاء العقلي له، وهو منحصر في مسألة التنجيز والتعذير، فاليقين يقتضي عقلاً جري العمل وفق متعلقه بالتنجيز والتعذير، وإمّا عبارة عن الاقتضاء التشريعي له، وهذا الاقتضاء إنّما يكون لنفس الحكم والتشريع لا لموضوعه، فالحكم له اقتضاء تشريعي ذاتاً ومباشرةً للعمل بمتعلّقه، وإسناد الاقتضاء إلى موضوعه يكون بشي من المسامحة الواضحة التي لا تصحّح إسناد النقض العملي إليه.

إن قلت: إنّ هذا البيان إنّما يكون في غير اليقين من سائر الموضوعات، وأمّا اليقين حينما يصبح موضوعاً فهو يقتضي عقلاً الجري العملي نحو حكمه كاقتضاء اليقين بالموضوعات للتنجيز أو التعذير بلحاظ حكمها، فسائر الموضوعات لا تقتضي عقلاً الجري نحو حكمها، وإنّما اليقين بها يقتضي عقلاً ذلك، وأمّا خصوص اليقين فهو يقتضي عقلاً ذلك من باب أنّ اليقين باليقين هو عين اليقين؛ لأنّه يكون في الحقيقة منكشفاً بنفسه ومعلوماً بالعلم الحضوري، لا بيقين آخر، فهو الذي يقتضي الجري نحو حكمه.

قلت: إنّ هذا الفرق بين اليقين وغيره ليس شيئاً عرفياً يعتمد عليه العرف، ويصحّح بذلك إسناد النقض العملي إلى اليقين باعتبار أحكامه الشرعية.

وثانياً: أنّ المنهي عنه إنّما هو نقض اليقين بالشكّ، ورفع اليد عن حكم يكون اليقين موضوعاً له بعد انتفاء ذلك اليقين وزواله بالشكّ ليس نقضاً لليقين بالشكّ، وإنّما هو نقض لليقين باليقين؛ لأنّنا نقطع بارتفاع موضوعه الذي هو اليقين، فالحكم بجواز الإفتاء مثلاً