المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

27

أقول: إنّ هذا الكلام صحيح في الجملة، إلاّ أنّه لا بدّ لنا من تعميقه، وبيانه: أنّ ركن الاستصحاب ليس في الحقيقة هو الشكّ في البقاء، وإنّما ركنه هو شكّ اُخذ فيه الفراغ عن الحدوث، وثمرة ذلك هي: أنّه إذا علمنا إجمالاً بحدوث شيء إمّا في الآن الأوّل أو في الآن الثاني، وعلى تقدير حدوثه في الآن الأوّل يحتمل بقاؤه الى الآن الثاني، فهنا يجري الاستصحاب، لكن لا على أساس كون الشكّ في البقاء بناءً على عدم كفاية الشكّ في البقاء التقديري، فإنّ البقاء هنا تقديري، أي: أنّه فرع حدوث الحادث في الآن الأوّل المشكوك فيه، بل على أساس أنّ هذا شكّ فرغ فيه عن الحدوث، وهذا الشكّ يمسّ اليقين على حدّ مسّ الشكّ في البقاء لليقين بالحدوث أو أشدّ، فيشمله قوله:«لا تنقض اليقين بالشكّ».

نعم، لو علم إجمالاً بأنّ هذا الشيء إمّا كان ثاتباً في الآن الأوّل فقط، أو في الآن الثاني فقط، فهنا لا يكمن إجراء الاستصحاب لاثبات وجوده في الآن الثاني؛ لأنّ الشكّ هنا يرى عرفاً مقوّماً للعلم الإجماليّ، حيث إنّ أحد طرفي العلم الإجمالي هو ثبوته في الآن الأوّل المساوق بالفرض لعدمه في الآن الثاني،فلا يرى عرفاً هذا داخلاً في باب نقض اليقين بالشكّ(1).

فتحصل: أنّ الفرق بين الاستصحاب وقاعدة اليقين ـ بحسب الأركان ـ هو: أنّ ركن الاستصحاب شكّ فرغ فيه عن الحدوث، وركن قاعدة اليقين هو شكّ في نفس الحدوث الذي كان قبل هذا متيقّناً.

وأمّا الفرق بينهما بحسب النكتة الارتكازية لهما ـ بناءً على أنّ الاستصحاب أصل عقلائي كقاعدة اليقين ـ فهو: أنّ الأمارة على المقصود في باب الاستصحاب هي نفس حدوث الشيء، بدعوى ملازمته غالباً للبقاء مثلاً، وأمّا في باب اليقين فالأمارة على المقصود هي اليقين، بدعوى كون اليقين غالباً مطابقاً للواقع مثلاً.

وأمّا قاعدة المقتضي والمانع فقد ذكر في بيان الفرق بينها وبين الاستصحاب: أنّ متعلّق اليقين والشكّ في باب الاستصحاب شيء واحد بقطع النظر عن الفرق من حيث الحدوث والبقاء، وأمّا متعلّق اليقين والشكّ في باب المقتضي والمانع فهو أمران: فاليقين تعلّق بالمقتضي والشكّ تعلّق بالمانع.

أقول: إنّ هذا الفرق صحيح، لكنّه لا بأس بالتعمّق ـ أيضاً ـ في بيان الفرق؛ لإبراز الفرق في النكتة الارتكازية بينهما بناءً على رجوع الاستصحاب إلى أصل ارتكازي عقلائي، وبيان ذلك: أنّ مرجع قاعدة المقتضي والمانع ـ لو كان عندنا مثل هذه القاعدة ـ هي أصالة


(1) ظاهر كلامه(رحمه الله) في بحث الأصل المثبت ينافي ذلك فراجع.