المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

260


قلنا: إنّ هذه الاُمور هي موضوعات لأحكام، فالملكيّة موضوع لجواز التصرّف، ولحرمة تصرّف الغير، ولحرمة الغصب، والزوجيّة موضوع لجواز الوطء، والطهارة موضوع لجواز الصلاة، والنجاسة موضوع لبطلان الصلاة... يجب أن تكون هذه ـ إذن ـ اُموراً تكوينيّة كشف عنها الشارع، لا جعليّة جعلها الشارع؛ ذلك لأنّ جعلها لغو بحت، فلماذا يجعل النجاسة ثمّ يجعلها مبطلة للصلاة؟! وتوضيح ذلك: أنّ خصوصيّات تكوينيّة في هذا النجس أوجبت بطلان الصلاة، وبكلمة اُخرى: أنّ هذا الثوب الملاقي للبول بما فيه من خصوصيّات تكوينيّة إن كانت هناك نكتة واقعيّة ينبغي أن تكون مبطلة للصلاة تصبح هي موضوعاً لإبطال الصلاة، ولا حاجة لجعل النجاسة، وإن لم تكن في ملاقاة الصلاة نكتة تكوينيّة خارجيّة موجبة لبطلان الصلاة، وإنّما النجاسة لو جعلت لها أوجبت البطلان، فلماذا تجعل لها النجاسة حتّى تبطل الصلاة؟! هذا لغو محض، وكذلك الحال في الملكيّة والزوجيّة، لا معنى لفرض أنّ هذه الاُمور مجعولة من قبل الشريعة، فإنّ جعلها لغو وزيادة، فالشريعة تريد هذه الآثار، أي: إنّها تريد أن يختصّ كلّ أحد بمال يتصرّف فيه، ويختصّ بامرأة تقوم أحكام معينة بينه وبين تلك المرأة، فإن كانت الملكيّة والزوجيّة أمرين تكوينيّين ثابتين، فمن المعقول أن تكون تلك الملكيّة والزوجيّة وهما أمران تكوينيان ثابتان هما المقياسان لهذه الآثار والأحكام؛ لوجود مصالح تكوينيّة قهريّة ثابتة تستدعي هذه الأحكام. أمّا إن لم يكونا أمرين تكوينيّين ثابتين فجعلهما لغو بحت، وبإمكان الشريعة أن تأمر بهذه الأحكام من دون أن تجعل ملكية أو زوجية. نعم، الملكية أو الزوجية ينتزعهما العقلاء من هذه الآثار، فيسمّون المال الذي يجوز لي التصرّف فيه ويحرم لغيري التصرّف فيه ملكاً لي، وينتزعون عن هذه الأحكام عنوان الملكيّة، وكذلك الامرأة التي تختصّ بي بأحكام يسمّونها زوجة لي، وينتزعون من هذه الأحكام عنوان الزوجية. هذا هو الوجه الذي في اكبر الظن دعا الشيخ الأنصاري إلى أنّه لم يخطر بباله أصلاً احتمال أن تكون هذه مجعولات، فقد طرح احتمالين فحسب، وقال: إن قلنا: إنّها موضوعات للأحكام الشرعيّة إذن هي اُمور تكوينية، وإن قلنا: إنّها ليست موضوعاً لأحكام شرعيّة إذن هي منتزعة من الأحكام الشرعية.

ونظير هذا الكلام صدر من البعض كالشيخ العراقي(رحمه الله) في الأحكام التكليفيّة، فالشيخ الأنصاري أنكر مجعولية هذه الأحكام الوضعيّة، ولكن الشيخ العراقي أنكر مجعوليّة الأحكام التكليفية أصلاً، فيقول الشيخ العراقي(رحمه الله): اشتهر أنّ الأحكام التكليفية مجعولة بجعل شرعي، ووقع البحث والخلاف في الأحكام الوضعية هل هي مجعولة أو لا، في حين أنّ هذا الذي اشتهر غير صحيح،ولدينا في مورد الأحكام التكليفية عدّة اُمور: أوّلاً المبادئ: (المصلحة والمفسدة)، ففي الصلاة مصلحة، وفي الصوم مصلحة، وفي شرب الخمر مفسدة، ومن الواضح أنّ هذه الاُمور تكوينية خارجية، وليست مجعولة، ولم يتعلّق بها جعل، ثمّ المولى يعلم بهذه المصلحة باعتباره عالماً بخفايا الاُمور، وعالماً بكلّ شيء، وهو يعلم بهذه الملاكات والمصالح والمفاسد، وإلى هنا لا توجد إلاّ اُمور تكوينية لا علاقة لها بالجعل. وهذا العلم يخلق في نفس المولى الحبّ والبغض، أو الإرادة والكراهة، وهذه الإرادة والكراهة كيف نفساني للمولى، وهي ـ أيضاً ـ أمر تكويني، وهي ليست جعلية، وهذه الإرادة والكراهة لو كنّا عبيداً لله تبارك وتعالى فالعقل يحكم ـ حينما نعرف عن طريق إبراز المولى لهذه الإرادة والكراهة أنّ المولى يريد ويكره، أو يحبّ ويبغض ـ بضرورة تحقيق ما يريده المولى، وبضرورة التجنّب عمّا يكره، وهذا هو وجوب الامتثال، وهو