المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

26

 

 

 

الفرق بين الاستصحاب و قواعد اُخرى مشابهة له:

 

البحث الثالث: في الفرق بين الاستصحاب و قواعد اُخرى، وهي قاعدة الاستصحاب القهقرائي، و قاعدة اليقين، وقاعدة المقتضي و المانع، فنقول:

أمّا الاستصحاب القهقرائي فهو الذي يتمسّكون به في باب الظهورات، وهو أصل عقلائي، ويذكرون في الفرق بينه و بين الاستصحاب الطردي: أنّه في الاستصحاب الطردي يكون المتيقّن متقدّماً زماناً على المشكوك، وفي الاستصحاب القهقرائي الثابت بالارتكاز العقلائي في باب تغيّر اللغة يكون المشكوك متقدّماً زماناً على المتيقّن.

أقول: بما أنّ هذا الاستصحاب في باب الظهورات مدركه هو الارتكاز العقلائي، فلا بُدّ من تحليل هذا الارتكاز لتتّضح حقيقة هذا الاستصحاب، والارتكاز العقلائي هنا ليس على أساس تعبّد صِرف، وإنّما هو على أساس الأماريّة و الكشف، باعتبار أنّ العقلاء لم يروا باُمّ أعينهم تغيّر اللغة إلاّ نادراً؛ لكون تغيّرها في غاية البطء، وهذا بخلاف تغيّر ظواهر كثيرة في العالم، كالحياة والموت، والصحّة والمرض وغير ذلك؛ ولهذا يكون ثبوت معنىً لغوي عندهم مستلزماً لبقائه ولو بنحو الغلبة الشديدة التي أوجبت ارتكاز أصالة الثبات في نظرهم، فاللفظ إذا كان له معنىً وشكّ في تغيّر ذاك المعنى على إجماله وبقطع النظر عن تعيينه، بنوا على أصالة عدم التغيّر، وهذا ما ينطبق عليه الاستصحاب الطردي، ثمّ إذا تعيّن معنى اللفظ في زماننا، ضمّ ذلك إلى هذا الاستصحاب الذي هو في الحقيقة أمارة لاأصل، وتكون مثبتاته حجّة، واستنتج من ذلك باعتبار حجّيّة مثبتاته كون معنى اللفظ في ما سبق ـ أيضاً ـ هو هذا المعنى.

فتحصّل: أنّ الاستصحاب القهقرائي ـ بحسب الحقيقة ـ غير موجود أصلاً، وأنّ الاستصحاب الثابت في باب اللغة بالمعنى المرتكز في أذهان العقلاء مرجعه الى الاستصحاب الطردي نفسه.

وأمّا قاعدة اليقين فقد ذكر: أنّ الفرق بينها وبين الاستصحاب هو: أنّ الاستصحاب يكون متقوّماً بالشكّ في البقاء بعد القطع بالحدوث، وأمّا في قاعدة اليقين فيسري الشكّ إلى نفس المتيقّن السابق، ويجعله مشكوكاً.