المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

259


أيضاً ـ وجه صحيح(1).

وهناك وجه آخر يذكره السيّد الخوئي(رحمه الله) في كتابه، وهو لا يصلح أن يكون دليلاً لكنّه يصلح أن يكون مؤيّداً. وهو ما نرى من أنّ النسبة بين هذه الأحكام الوضعية والآثار الشرعية عموماً وخصوصاً من وجه، فقد تكون الملكيّة موجودة وجواز التصرّف غير موجود، وقد يكون جواز التصرّف موجوداً والملكية غير موجودة، فكيف نفترض أنّ الملكية مثلاً منتزعة من جواز التصرّف! ولو كانت كذلك لا يمكن أن تنفك من جواز التصرّف، بينما نحن نرى أنّ الملكيّة موجودة مثلاً وجواز التصرّف غير موجود، كما في المحجور عليهم الذين لا يجوز لهم التصرّف فيما يملكون رغم الملكيّة، وقد يكون جواز التصرف موجوداً والملكيّة غير موجودة كما في الولي الذي يتصرّف في مال من ولّي عليه، بينما هو ليس مالكاً لمال من ولّي عليه، وكذلك في الزوجية قد يحرم الوطء، أو قد يسقط وجوب النفقة، أو ما شابه ذلك، بينما الزوجيّة موجودة، فلو كانت الزوجية منتزعة من هذه الآثار فكيف تكون الزوجيّة موجودة رغم عدم هذه الآثار أحياناً!(2) وهذا المطلب وإن كان ذكره السيّد الخوئي بعنوان الدليل لكنّه لا يصلح أن يكون دليلاً؛ إذ قد يقول قائل كما قيل: فلتكن الملكيّة منتزعة مثلاً من جواز التصرّف في الحالات الاعتياديّة، ولو لا الطوارئ يجوز التصرّف،فينتزع من هذا الجواز الملكيّة رغم الحجر الحالي مثلاً، إذن فهذا ليس دليلاً. نعم، لا شكّ أنّه مؤيد، فإنّ هذه التفكيكات التي ترى توحي إلى الذهن أنّ الملكيّة شيء مستقل، وأنّ الملكيّة هي موضوع للآثار، وهذا الموضوع قد يقترن بموانع ترفع الآثار ولا نستطيع أن ننكر كون هذه الأمثلة والمصاديق هي مؤيّدة لفكرة أنّ الملكيّة هي الموضوع وليست هذه الآثار هي التي ينتزع عنها الملكيّة.

بل قد يقال: إنّ ارتكازية هذه المصاديق أو بعضها تجعل العرف يفهم من أدلّة الملكيّة المعنى الذي يكون موضوعاً للأحكام، لا منتزعاً من الأحكام، فيصبح ذلك دليلاً على المدّعى كما أراده السيّد الخوئي.

بقي الكلام في شيء واحد وهو أنّ الحديث الذي تحدّثنا به حتّى الآن وإن كان كافياً لاستظهار أنّ مثل الملكيّة والزوجيّة ليست منتزعة عن الأحكام التكليفيّة، بل هي موضوع للأحكام التكليفيّة، وإذا ضممنا ذلك إلى ما هو واضح في عصرنا هذا من عدم كون الملكيّة والزوجيّة اُموراً تكوينية، انحصر الأمر في كونهما من المجعولات الشرعية، إلاّ أنّنا مع هذا نرى أنّ الشيخ الأنصاري(رحمه الله)لم يخطر بباله احتمال كونهما من المجعولات الشرعيّة، بل رأى أنّ الأمر في مثل الملكيّة والزوجيّة والطهارة والنجاسة ونحوها لا يخلو من أحد فرضين: إمّا إنّها اُمور تكوينيّة كشف عنها الشارع، وإمّا إنّها اُمور انتزعت من الآثار الشرعيّة، فالملكيّة تنتزع من جواز التصرّف ومن حرمة تصرّف الغير، والزوجيّة تنتزع من الأحكام المألوفة الثابتة للزوج والزوجة في الرسائل العمليّة، كذلك الطهارة تنتزع من جواز الشرب والأكل والصلاة معه، والنجاسة تنتزع من عدم جواز ذلك، ولم يحتمل الشيخ أن تكون هي مجعولة.

ولم يذكر في الرسائل وجهاً لعدم احتماله، والسبب في عدم احتمال الشيخ لذلك ـ على ما أظنّ قويّاً ـ هو: أنّنا إن


(1) راجع مصباح الاصول: ج 3، ص 82

(2) نفس المصدر ص 83