المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

258


جعل أمراً تشريعيّاً، وتكون السببيّة منتزعة بهذا المعنى من الانتزاع، بمعنى: أنّه لولا هذا الجعل لما كان مصداق السببيّة هنا موجوداً ومتحقّقاً.

وعلى أيّة حال فقد تحصّل من بحثنا: أنّ التقسيم الثلاثي للأحكام الوضعيّة الوارد في كلام الشيخ الآخوند غير صحيح، وأنّ الأحكام الوضعيّة تنقسم إلى قسمين فحسب: القسم الأوّل: ما هي مجعولة من قبل الشريعة، ومثالها الواضح الملكيّة والزوجيّة، وهناك أمثلة اُخرى مورد للنقاش. والقسم الثاني: الأحكام الانتزاعية(وهذا التعبير أدّق من التبعيّة) المنتزعة من الأحكام الشرعية، من قبيل الجزئية والشرطية والمانعية.

القسم الأوّل من التقسيم المشهور للأحكام الوضعيّة:

وأمّا الأمر الثاني: وهو البحث عن القسم الأوّل من القسمين المعروفين للأحكام الوضعية، وهي ما لها جعل مستقلّ كالملكيّة والزوجيّة، وقد جعلت بدورها موضوعاً لأحكام شرعيّة، فهذا القسم من الأحكام حينما نقول عنها: إنّها مجعولة لا نقصد بذلك أنّها لا يمكن أن تكون منتزعة، بل يمكن أن تكون منتزعة بأن نفترض أنّ الشريعة جعلت إباحة التصرّف وإباحة الأكل وصحّة البيع وحرمة تصرّف الغير وغير ذلك، ثمّ انتزِع من هذه الأحكام الملكيّة. وكذلك الزوجيّة حيث نفترض أنّ الشريعة قد جعلت أحكاماً معيّنة من قبيل جواز الوطء ووجوب القسمة ووجوب النفقة، ثمّ انتزع منها مثلاً عنوان الزوجيّة، فهذا أمر ممكن، لكنّنا نقول: إنّ المستفاد من الأدلّة خلاف ذلك؛ وذلك أوّلاً: للارتكازات العقلائية التي نحكّمها دائماً في فهم الظواهر، فإنّ الملكيّة والزوجيّة ونحوهما حسب الارتكازات العقلائية تعتبر أحكاماً أصيلة، أي: إنّ العقلاء في تشريعاتهم العقلائية يعتبرونها أشياء مجعولة بالجعل العقلائي، كذلك تنصرف إليها الأدلّة الشرعية، ومن ناحية اُخرى نضيف إلى ذلك الارتكاز المتشرّعي وفهم المتشرّعة بشكل عام، باستثناء تدقيق المدقّقين والمحقّقين الذين تطبّعت ذهنيتهم على التدقيق في المطالب، وهذا الفهم المتشرّعي العام لو لم يكن دليلاً يمكن أن يكون مؤيّداً وإن كنّا لا نستطيع أن نتعامل مع هذا معاملتنا مع الارتكاز المتشرّعي البحت؛ لأنّه من المحتمل أن يكون جذره وأساسه نفس الارتكاز العقلائي، فقيمته تقترب من قيمة الارتكاز العقلائي، على فرق في النتائج والقيم بين الارتكاز العقلائي والارتكاز المتشرّعي، حتّى المتّكي على الارتكاز العقلائي بحثناه في محله.

إضافة إلى ذلك أنّنا حينما نراجع لسان الأدلّة ـ كما قال السيّد الخوئي(رحمه الله) في تقريره، ونِعم ما قال ـ نراه يناسب هذا المعنى، أعني: كون الملكيّة والزوجيّة وما شابه اُموراً أصيلة رُتّبت عليها آثار، مثلاً حينما يقول:«لا يحلّ مال امرئ مسلم إلاّ بطيب نفسه» نرى أنّ كون هذا مال امرئ مسلم فرض شيئاً ثابتاً مسبقاً، وموضوعاً للحكم، ورتّب عليه أنّه لا يحلّ ماله، لا أنّ كونه ماله منتزع من عدم جواز تصرّف الغير فيه، وكذلك قوله:«الناس مسلّطون على أموالهم» ـ لو تمّ سنده أو ثبت انجباره ـ أخذ عنوان إضافة المال إلى الناس المقصود بها الملك موضوعاً للحكم بالسلطنة، وكذلك قوله:« نساؤكم حرث لكم» فرض الإضافة بين النساء والضمير المضاف إليه شيئاً مفروغاً عنه، ثمّ رتّب بعد ذلك الحكم، وهو كونهنّ حرث لكم، وما شاكل ذلك من الأحكام الواردة في الكتاب والسنّة. هذا ـ