المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

254


الشمس فصلِّ، فكون وجوب الصلاة مقيّداً بالزوال شيء، وكون الزوال سبباً يخلق وجوب الصلاة شيء آخر، يقول الشيخ العراقي: إنّ السببيّة التكوينيّة دائماً وفي كلّ الموارد غير قابلة للجعل أبداً؛ ذلك لأنّ الجعل أمر اعتباري بحت، ولا يمكن أن يؤثّر أثر التكوين، والسببيّة بمعناها الحقيقي أمر تكويني، فمن خصائص عالم التكوين مثلاً أنّ النار لها سببيّة الإحراق، ولا يمكن أن تنتزع ذلك من الجعل، نعم، هناك سببيّة عنائيّة اعتباريّة مجازيّة وهذه السببيّة تنتزع من الجعل، فحينما يقول المولى: إذا زالت الشمس فصلِّ، أو يقول: أقم الصلاة لدلوك الشمس قيّد وجوب الصلاة بالدلوك، وهذا التقيّد والتحصّص غير السببية، لكن هذا يعبّر عنه مجازاً واعتباراً وعناية بأنّ الدلوك سبب للوجوب، وهذه سببية اعتبارية مجازية أو عنائية في مقابل السببية الحقيقية، والآخوند لم ينكر السببية الاعتبارية، وإنّما أنكر السببيّة الحقيقيّة، وصرّح في كلامه: بأنّ السببيّة العنائية لا بأس بها، أمّا ما هو منشأ هذه السببيّة العنائية، هل هو الحكم التكليفي وهو قوله: صلِّ لدى زوال الشمس، أو منشؤها جعل السببيّة رأساً، بأن قال المولى: جعلت زوال الشمس سبباً لوجوب الصلاة، أيّ الأمرين هو الصحيح؟ يقول المحقق العراقي: هما سيّان، وإنّما الفرق هو فرق في التعبير، وكلاهما ممكن، فلا فرق بين أن يقول المولى: صلِّ إذا زالت الشمس، أو يقول: جعلت زوال الشمس سبباً لوجوب الصلاة، فروح المطلب واحدة، ولكنّ الصياغة الظاهريّة تختلف، ففي ظاهر الصياغة كلّما نفترض هناك جعلين: جعلاً أصلياً وجعلاً تبعياً فتعيين الأصلي من التبعي يكون بيد تعبير المولى، فلو قال: أقم الصلاة لدلوك الشمس، صار الجعل الأصلي جعلاً لوجوب الصلاة، والسببيّة جعلت بالتبع، ولو عكس وقال جعلت الدلوك سبباً للصلاة إذن تعلّق الجعل بالسببية مباشرة، ووجوب الصلاة جعل بالتبع، وهذا الشيء صياغي، وواقع المطلب أنّ هناك جعلاً واحداً يمكن أن يتعلّق بهذا أو بذاك، هذه خلاصة ما يقوله الشيخ العراقي، ويقول: إنّ الآخوند لم يقصد إلاّ هذا، فهو أنكر السببيّة الحقيقية واعترف بالسببيّة المجازيّة العنائيّة المنتزعة من جعل نفس السببيّة، أو من جعل الوجوب، فكلا الجعلين ممكن وكلاهما واحد(1).

إلاّ أنّ هذا الكلام على طوله فيه الغفلة عن النكتة الأصلية التي يقولها الشيخ النائيني، فإذا تكلّمنا بلغة الجعل والمجعول، قلنا: إنّ هناك سببية حقيقية غفل عنها الشيخ العراقي(رحمه الله)، فهو التفت إلى أمرين وغفل عن أمر ثالث، التفت إلى السببيّة للجعل التي هي سببية حقيقية، والتفت إلى ما يسمّيه بالسببية العنائيّة المجازيّة، فسبب الجعل الحقيقي عبارة عن المصالح والمفاسد، وهذه سببية حقيقية وليست منتزعة من الجعل، والسببية المجازيّة عبارة عنالتحصيص، فبما أنّه حصّص الوجوب للصلاة بدلوك الشمس نسمّي هذا الدلوك سبب مجازاً، ولكنّ هناك شيء آخر بعد التسليم بوجود جعل ومجعول وهو فعلية الوجوب، وهذا الشيء الآخر ليس عبارة عن سببيّة عنائيّة او مجازيّة، بل هو عبارة عن سببيّة حقيقيّة، فالمولى حينما قال: أَقم الصلاة لدلوك الشمس، أو قال: إذا زالت الشمس فصلِّ لم تكن الشمس قد زالت عندئذ، ولم تجب علينا الصلاة بعد، وحينما زالت الشمس أصبح الوجوب فعلياً، ولنفترض أنّ هذه الفعلية شيء جديد غير ذاك الوجوب، فهنا من الذي جعل الوجوب فعلياً؟ ومن الذي خلق وسبّب هذه الفعلية؟ أليس دلوك الشمس هو السبب؟! طبعاً سبب هذه الفعلية هو الدلوك لا المصلحة، وإنّما


(1) راجع نهاية الأفكار: القسم الأوّل من الجزء الرابع، ص 93 ـ 96