المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

251


لا ذلك لكان كلّ شيء علّة لكلّ شيء، والفروع الكثيرة التي رتّبوها من أنّ العلّة الواحدة لا يترتّب عليها معلولان، ومن شرط السنخيّة، ومن أنّ علّتين لا تشتركان في معلول واحد كلّها نتجت من هذه النقطة، وهي نقطة: أنّ هناك خاصية تكوينية في العلة بها صارت العلةُ علةً، ولولاها لكان كلّ شيء علّة لكلّ شيء، ونحن نعلم أنّ الإنشاء والجعل لا يخلق أبداً تلك الخاصية. نعم، الخلق والإيجاد ممكن مثل(يا نار كوني برداً وسلاماً على ابراهيم) حيث يجعل تكويناً النار برداً، أو يجعل الماء ناراً، ففي الإنشاء والجعل لو قال مائة مرّة: يا نار كوني برداً لا يؤثر ذلِك شيئاً، فالإنشاء لا يخلق الخواص التكوينية، وبما أنّ شرط التكليف وسبب التكليف، والمانع، والقيد، والجزء كلّها ترجع إلى تحليلات عالم العلّيّة إذن كلّها قضايا تكوينيّة، فمهما قال المولى: جعلت زوال الشمس سبباً لوجوب الصلاة فلا أثر له، فإن كان زوال الشمس سبباً فهو سبب، وإن لم يكن زوال الشمس سبباً فليس سبباً، فزوال الشمس إن كانت له خاصيّة تكوينيّة فخاصيّته التكوينيّة هي أنّه يحرّك المولى، ويقدح في نفسه إرادة الايجاب ويصبح زوال الشمس علّة لنفس هذا الإيجاب، وإن لم تكن لزوال الشمس هذه الخاصيّة، فمجرد الجعل، أو الإنشاء، أو التشريع لا يؤثر شيئاً، وكذلك لا يعقل الانتزاع من الجعل، أو الجعل التبعي، وإنّما يكون هذا شيئاً ذاتياً، هذه خلاصة الوجه الثاني الذي ذكره الشيخ الآخوند، وهو أعمّ وأوسع من الوجه الأوّل، أي: يثبت مدّعاه بكلا شقّيه.

وهذا الوجه ـ أيضاً ـ باطل، سواء آمنّا بمرحلة وسط بين عالم المبادئ وعالم الإبراز وهي مرحلة الجعل، أو لا، فإنّ هناك مسلكين ـ كما تعلمون ـ: مسلك يقول: لدينا مرحلة متوسّطة بين عالم المبادئ وعالم الإبراز، وتلك المرحلة عبارة عن مرحلة الجعل، وهو المسلك المعروف القائل بأنّ لدينا أوّلاً: عالم المبادئ، وهو له مرحلتان: الاولى: مرحلة المصالح والمفاسد(الملاك). الثانية: مرحلة الإرادة والكراهة والحبّ والبغض، وهذه منبثقة عن الملاك، أي: المصلحة والمفسدة، ثمّ توجد مرحلة الجعل، وهي مرحلة الحكم، حيث يجعل المولى الأحكام طبق حبّه وبغضه، وبعد مرحلة الجعل تأتي مرحلة الإبراز، حيث يبرز المولى حكمه بقوله مثلاً: كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم، وفي مقابل هذا التصور يوجد تصور آخر، وهو أن ننكر مرحلة الجعل التي هي المرحلة الوسط بين المبادئ وبين الإبراز، ونقول: لدينا مرحلة المبادئ وهي المصالح والمفاسد، ولدينا مرحلة الحكم، وهي نفس الإرادة والكراهة، أو الحبّ والبغض، ولدينا مرحلة الإبراز مثل قوله: صوموا، وزكّوا، وصلّوا.

الآن لو أخذنا المسلك الأوّل، وهو المسلك المعروف والمألوف، وهو أنّه لدينا مبدءآن وشيئآن من مقدّمات الحكم: أحدهما: المصلحة والمفسدة، وثانيهما: الحبّ والبغض، أو الإرادة والكراهة، المنبثقتان من المصلحة والمفسدة، ثمّ الجعل، ثمّ الإبراز، فنتكلّم على هذا المنهج ونقول باصطلاح الجعل والمجعول،أو الجعل والفعليّة، وهو اصطلاح مدرسة الشيخ النائيني: إنّ زوال الشمس له ـ كما قال الشيخ الآخوند ـ حيثيّة تكوينيّة حقيقيّة واقعيّة وغير مجعولة، ولولاها لما أصبح زوال الشمس موضوعاً لوجوب الصلاة أو سبباً أو شرطاً فيه، هذا صحيح، وهذا راجع إلى مرحلة الإرادة والكراهة، أي: إنّ المصلحة الكامنة في وجوب الصلاة لدى زوال الشمس هي التي قدحت لدى المولى حبّ الصلاة لدى زوال الشمس بنحو القضية الشرطية، وهذا خلق في نفس المولى حبّ الجعل، فجعل وجوب الصلاة لدى زوال الشمس، فزوال الشمس فيه اقتضاء تكويني لهذا الجعل ولو بالواسطة،