المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

25

القسم الأوّل: ما اُخذت فيه مادّة من مواد الفقه، و مواد الفقه هي كل عنوان أوّلي أو ثانوي متعلّق لحكم واقعيّ، كالصعيد مثلاً الذي هو عنوان أوّلي، و كالضرر الذي هو عنوان ثانوي، وهذا ليس داخلاً في علم الاُصول، وبهذا خرجت قاعدة لا ضرر، و البحث عن معنى الصعيد و نحوه.

والقسم الثاني: ما لم تؤخذ فيه مادّة من موادّ علم الفقه، كما هو شأن منطق كل علم، فعلم المنطق المعروف هو منطق لكلّ العلوم؛ ولذا لم تؤخذ فيه أيّ مادّة من أيّ علم، و يكون صورة فارغة صرفاً يمكن ملؤها بموادّ مختلفة من علوم مختلفة، و من كل علم بحسب موادّه كما هو واضح، وبعد علم المنطق توجد بحوث منطقية اُخرى هي منطق لما تحتها من العلوم و ليست خالية من المادة صِرفاً، وإلاّ لدخلت في علم المنطق، ولكنها خالية من مادّة علم تكون منطقاً له، فمثلاً مبدأ استحالة انفكاك المعلول عن العلّة الذي هو مبدأ فلسفي يكون منطقاً لكل العلوم الطبيعية، وهكذا.

إذا عرفت ذلك، قلنا: إنّ علم الاُصول هو العلم الذي لا يكون ضيّقاً بنحو تؤخذ فيه مادّة من المواد الفقهية فلا يصبح منطقاً لعلم الفقه، ولا يكون وسيعاً بنحو يكون منطقاً لعلوم اُخرى أيضاً، بل اُخذت فيه الموادّ بدرجة سَقَطَ عن قابليّة كونه منطقاً لسائر العلوم، و بقي منطقاً لعلم الفقه و دخيلاً في الاستنباط، بلا اشتراط أن يقع كبرى في طريق الاستنباط.

هذا. و البحث عن وثاقة الراوي وإن كان ـ أيضاً ـ دخيلاً في الاستنباط، ولكن هنا قيد آخر ثابت بالارتكاز المميّز بين علم الاُصول و مثل علم الرجال، وهو أنّ علم الاُصول يجب أن يكون مربوطاً بالحكم، بمعنى أن يكون هو حكماً ظاهرياً كحجّيّة خبر الثقة، أو يكون من مقتضيات الحكم في إحدى المراحل الثلاث: (الجعل) و (الإبراز) و (التنجيز و التعذير). فالأوّل كمباحث إمكان الترتّب، و الملازمة بين وجوب شيء و وجوب ذيه، و نحو ذلك من الاُمور التي يقتضيها الحكم بحسب عالم جعله. والثاني كمباحث دلالة الأمر على الوجوب، والنهي على الحرمة، والمشتق على ما انقضى عنه المبدأ أو المتلبس، ونحو ذلك. والثالث كمباحث منجّزيّة الاحتمال أو معذّريّته عقلاً.

وبناءً على هذا التعريف يدخل الاستصحاب في الشبهة الحكمية في علم الاُصول؛ لكونه دخيلاً في استنباط الحكم الكلّي من أخذ مادّة فقهية فيه، وليس وسيعاً إلى درجة يكون منطقاً لعلم آخر أيضاً، وليس كبحث وثاقة الراوي ممّا هو غير مربوط بالحكم، بل هو حكم ظاهري، كحجّيّة خبر الواحد و نحوها من أحكام تذكر في علم الاُصول.