المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

233

الرفع بالشدّة والقوة حتّى يعبّر عنه بالنقض بمناسبات شتّى من قبيل قوّة المرفوع، فيقال مثلاً:(نقضت الحبل من مكانه) إذا كان ملصقاً بالمكان، ولا يقال:(نقضت الحجر من مكانه) إذا كان موضوعاً في مكان فيرفع، أو إرادة تفهيم أنّ الرفع كان رفعاً كاملاً للشيء وإلى أقصى حدّ مثلاً كما يقال: نقضت الشبهة، فإنّ الشبهة وهي المرفوع ليس فيها قوّة واستحكام، بل فيها مفهوم الضعف، ولكن مع ذلك يقال نقضت الشبهة لقصد تفهيم دحضها ورفعها تماماً.

ولعل مناسبة التطعيم بالقوّة والشدّة في المقام والتعبير بالنقض والنكتة البلاغية في ذلك هى: أنّه اُريد إبراز فظاعة رفع اليد عن اليقين بالشكّ أو المتيقّن بالمشكوك، فعبّر بالنقض الذي يفيد معنى الشدّة في الرفع؛ لكونه أبلغ في إبراز فظاعة هذا الرفع.

هذا. ويمكن في المقام أن يوجّه كلام الشيخ الأعظم(قدس سره) بإدخال تأويل فيه، وذلك بأن يقال: إنّه(رحمه الله) لم يفرض النقض رفعاً للهيئة الاتّصالية، بل يسلّم أنّه رفع للهيئة البرميّة لا الاتّصالية، لكنّه يقول: إنّ الهيئة البرمية يمكن فرضها بالمسامحة بين المتيقّن والمشكوك إذا فرضت الملازمة بينهما، فهذه الملازمة بينهما كأنّها فتل لأحدهما بالآخر، والملازمة الحقيقية غير موجودة، ولكن إذا كان المتيقّن فيه اقتضاء البقاء فكأنّ الملازمة موجودة، ويكتفى بالملازمة الاقتضائية. وأمّا مع الشكّ في المقتضي فالملازمة الاقتضائية ـ أيضاً ـ غير محرزة، فلا توجد هيئة برميّة ولو بالمسامحة، وبهذا يصبح الدليل مختصّاً بصورة الشكّ في الرافع.

والجواب: أنّ هذا إنّما يتمّ لو اُضيف النقض في العبارة إلى تلك الملازمة أو إلى ما يدلّ على ذات المتلازمين بما هما متلازمان، فإنّ النقض بمعنى حلّ الفتل يضاف إلى ما اُخذ فيه معنى البرم والملازمة، كما في(نقضتُ البرهان) حيث اُخذ في مفهوم كلمة(البرهان) الملازمة بين المقدمات والنتيجة. وأمّا إذا اضيف النقض إلى ما ليس فيه معنى الملازمة أو الفتل كما اُضيف إلى المتيقن في المقام حسب الفرض، فهنا لا معنىً لأن نأوّل الكلام بالحمل على نقض البرم باعتبار فرض الملازمة التي لم يشر إليها في الكلام أصلاً، وإنّما يفرض افتراضاً وجود تصوّرها في ذهن المتكلم.

والخلاصة: أنّ إسناد النقض إلى شيء لا يكفي فيه مجرّد تصوير هيئة برميّة بالمسامحة، بل لا بدّ من كون معنى البرميّة ماخوذاً في مصبّ النقض بحسب عالم اللفظ والاستعمال، نظير أنّ نسبة الجريان مثلاً إلى الميزاب بفرض ميزابيّة الميزاب منزّلةً منزلة الماء بعلاقة الظرف والمظروف إنّما تصحّ إذا اُخذت الميزابيّة في الكلام، وقيل:(جرى الميزاب)، ولا يصح أن يقال:(جرى الحديد) لمجرد الاطّلاع على أنّ ذلك الحديد ميزابٌ.