المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

228

ومثاله في الشرعيّات الطهارة والنجاسة التي لا ترتفع إلاّ بسبب خارجي، وإذا كان بحيث ينتفي بنفس حركة عمود الزمان كان الشكّ فيه شكاً في المقتضي، ومثاله بقاء الإنسان في أواخر عمره الطبيعي إلى عدّة سنوات فإنّه يكفي لفنائه نفس مرور الزمان عليه، ومثاله في الشرعيّات الخيار الذي يفوت بالتأخير بناءً على فوريّته.

هذا. ولعلّه يمكن تلخيص أهمّ الأدلّة على التفصيل بين الشكّ في المقتضي والشكّ في الرافع في ثلاثة أدلّة رئيسة:

 

الدليل الأوّل:

أنّ الظاهر من أدلّة الاستصحاب هو وحدة المتيّقن والمشكوك، والوحدة بالدقّة غير موجودة؛ لأنّ المتيقّن هو الحصّة الحدوثيّة والمشكوك هو الحصّة البقائيّة، إذن فلا بدّ من فرض عناية، وذلك: إمّا بأن يفرض بالعناية تيقّن المشكوك باعتبار اليقين ببقاء المقتضي، أي: بأن يعتبر اليقين بالمتقضي بالمسامحة يقيناً بالمقتضى، وإمّا بأن يفرض بالعناية نفس اليقين بالحدوث يقيناً بالبقاء باعتباره يقيناً بشيء فيه اقتضاء البقاء. وكلتا العنايتين ـ كما ترى ـ تستوجبان تخصيص الحكم بفرض إحراز المقتضي والشكّ في الرافع.

وأجاب عن ذلك المحقّق الخراساني(رحمه الله) بأنّ الظاهر عرفاً هو إعمال العناية بشكل آخر، وهو التجريد عن خصوصيّة الزمان، فيرى المشكوك عين المتيقّن(1).

ويحتمل في عبارته(قدس سره) ثلاثة احتمالات:

الاحتمال الأوّل: أن يكون المقصود بذلك هو ملاحظة الجامع بين الحصّة الحدوثيّة والحصّة البقائيّة، وهذا وإن كان من البعيد كونه مقصوداً له(قدس سره) إلاّ أنّه ينطبق على عبارته.

وهذا يرد عليه: أنّ الجامع بين الحدوث والبقاء الذي فرض تعلّق اليقين به لم يتعلّق الشكّ به أصلاً، بل هو مقطوع به حتّى عند الشكّ في البقاء، فلا معنىً للاستصحاب.

الاحتمال الثاني: وهو المظنون كونه مراده(قدس سره) هو أن يكون المقصود إلغاء خصوصيّة الزمان ولحاظ ذات الشيء، فكأنّ حدوثه عين بقائه، وكأنّ ذات الشيء كان متيّقناً ثمّ شكّ فيه. وهذا المعنى هو الذي تناسبه عبارة تلميذه المحقّق العراقي(رحمه الله) حيث عبّر في مقام بيان كلام


(1) راجع الكفاية: ج 2، ص 286 بحسب الطبعة المشتملة في حاشيتها على تعليقة المشكيني.