المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

226

في تعيين موضوع دليل الحكم على ضوء ما يفهمه من ظاهر الدليل؛ ولذا قد يكون الدليل ظاهراً في التقييديّة لكن العرف يحكم بحسب نظره الذاتي لا بحسب استظهاره من الدليل بكون القيد حيثيّة تعليليّة؛ ولذا قرأنا في الكفاية أنّ العبرة في بقاء الموضوع ووحدته هل هي بالنظر العقلي أو بدليل الحكم أو بالنظر العرفي(1)؟ فجُعِل النظر العرفي في مقابل ظاهر دليل الحكم، والمدّعى هو أنّ العبرة بالنظر العرفي، وسوف يأتي إثبات ذلك في محله ـ إن شاء الله ـ.

الوجه الثالث: ما يختصّ ـ أيضاً ـ بالعقل العملي، وهو مبنيّ على مبنىً مشهور من أنّ الحسن بالذات والقبيح بالذات منحصر في العدل والظلم، وسائر الأشياء إنّما تتّصف بالحسن والقبح باعتبار انطباق عنوان العدل والظلم عليها، وعليه نقول: إنّه لا تتصوّر الشبهة الحكميّة في باب الحسن والقبح؛ إذ كلّ فعل من الأفعال لو عرفنا أنّه عدل أو ظلم لم نشكّ في كونه حسناً أو قبيحاً، وبالتالي لم نشكّ في حكمه الشرعي. نعم، يمكن تصوير الشبهة الموضوعيّة بأن يشكّ في عنوان العدل والظلم، وعندئذ لا يجري استصحاب الحكم:

أوّلاً: لحكومة الاستصحاب الموضوعي عليه؛ إذ يستصحب بقاء الفعل على صفة العدل أو الظلم، فيجري عليه الحكم، إلاّ أنْ يفرض أنّ موضوع الحكم وما يكون حسناً أو قبيحاً إنّما هو ما علم بكونه عدلاً أو ظلماً؛ إذن فلا أثر للاستصحاب الموضوعي، ولكن عندئذ لا معنىً ـ أيضاً ـ للاستصحاب الحكمي للقطع بارتفاع الحكم.

وثانياً: للشكّ في بقاء الموضوع ويشترط في الاستصحاب القطع ببقائه، وعنوان العدل والظلم يكون ـ حتّى في نظر العرف ـ حيثيّة تقييديّة لا تعليليّة، فكتمان السرّ أو إفشاؤه إنّما يكون حسناً أو قبيحاً لا بما هو هو، بل بما هو عدل أو ظلم.

والجواب: ما نقّحناه في مبحث القطع من أنّ حسن العدل وقبح الظلم ليس هو الحكم المباشر للعقل العملي، وإنّما هو إشارة إلى أحكام العقل العملي الثابتة قبل هاتين القضيّتين، فإنّه لا معنىً لموضوع هاتين القضيّتين من العدل أو الظلم إلاّ إعطاء ذي الحقّ حقّه أو سلب الحقّ عمّن يستحقّه، فقد فرض مسبقاً في موضوع هاتين القضيّتين الحقوق التي هي أحكام للعقل العملي، إذن فحسن كتمان السرّ ونحوه، وقبح إفشائه ونحوه يكون ثابتاً لهذه العناوين التفصيليّة ابتداءً بحكم العقل العملي، لا بواسطة انطباق عنوان العدل والظلم عليها، وإنّما هما عنوانان منتزعان عنها في طول أحكام العقل العملي، وفي تلك الأحكام تتصوّر الشبهة الحكميّة.


(1) راجع الكفاية: ج 2، ص 346 ـ 347 بحسب الطبعة التي تشتمل في حاشيتها على تعليقات المشكيني.