المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

215

فمثال الأوّل هو دخول الشخص في المسجد، فإنّ هذا عرضٌ عرضَ على الشخص بمجموع أجزائه العقلية؛ ولذا لو قُشّر إلى أن بقي ذلك الجامع لا يقال: إنّ ذاك الجامع هو الذي عرض عليه هذا العارض مباشرة، وإنّما يقال: إنّ ذلك الجامع قد عرض عليه العارض في ضمن الشخص الذي عرض العارض عليه. ومثال الأوّل هو الحكم الشرعي الثابت بنحو القضية الحقيقية على طبيعة الشرب أو الملامسة مثلاً، فهذا الحكم لم يعرض على الشخص بما هو متشخّص بالخصوصيات الفرديّة من كونه مثلاً شُرباً سريعاً أو بطيئاً ونحو ذلك، وإنّما عرض على تلك الحيثيّة المشتركة؛ ولذا لو قُشّر الفرد إلى أن لم يبقَ إلاّ تلك الجهة المشتركة لرآها العرف معروضة للحكم الشرعي، وكافية في ثبوت الحكم عليها.

إذا عرفت هذا قلنا: إنّ الحكم الشرعي ـ على ما ظهر في المقدّمة الثانية ـ قد عرض على الحيثية المشتركة، وتلك الحيثية ـ على ما ظهر في المقدمة الاُولى ـ شيء واحد، وإنّما شككنا في بقاء هذا الحكم من باب أنّنا احتملنا أن لا تكون خصوصيّة الزمان ملغاة كسائر الخصوصيّات التي علمنا بإلغائها، وأن تكون دخيلة في الحكم، لكنّ المفروض في الاستصحاب غضّ النظر عن خصوصيّة الزمان، فيجري ـ لا محالة ـ الاستصحاب بلا إشكال.

التنبيه الرابع: في استصحاب عدم النسخ.

إنّ الشبهة الحكمية تارة تكون من باب الشبهة في سعة دائرة مفهوم ما تعلّق به الحكم وضيقه، كما في مثال نجاسة الماء المتغيّر، وهذا ما كنّا نتكلّم فيه حتّى الآن، واُخرى يكون من باب الشكّ في النسخ، وهذا ـ أيضاً ـ في الحقيقة يرجع إلى الشكّ في سعة دائرة مفهوم ما تعلّق به الحكم؛ لأنّ قيد الزمان في الحقيقة ماخوذ من أوّل الأمر في الحكم المنسوخ، والفرد الذي خرج عن الحكم بالنسخ لم يكن في الحقيقة داخلاً في الحكم من أوّل الأمر لاستحالة البداء والنسخ بمعناه الحقيقي في حقّه تعالى. ومن هنا يرد في استصحاب عدم النسخ كلا إشكالي السيّد الاُستاذ اللذين ذكرناهما في القسم الأوّل من الشبهة الحكمية:

فأحدهما: هو إشكال أنّ حرمة الشرب كانت ثابتة للفرد من الشرب الثابت قبل زوال التغيّر، ولا يمكن إسراؤها بالاستصحاب على فرد آخر، وكذلك يقال في ما نحن فيه: إنّ حرمة الشرب مثلاً كانت ثابتة لأفراد الشرب الثابتة في ما قبل السنة السابعة من هجرة النبي(صلى الله عليه وآله) مثلاً، ولا نعلم بثبوتها للأفراد الاُخرى، أو إنّ النجاسة مثلاً كانت ثابتة لأفراد المياه المتغيّرة في ذلك الزمان، ولا نعلم بثبوتها للأفراد الاُخرى، أو إنّ وجوب صلاة الجمعة كان