الحرمة في الساعة الثانية ـ لو فرض الحكم هو الحرمة ـ معارض باستصحاب عدم جعل الإباحة، فيبقى استصحاب المجعول سليماً عن المعارض. وقد أجاب عن هذا الإشكال بأجوبة ثلاثة:
الجواب الأوّل: أنّه يتساقط الكلّ بالتعارض.
وهذا الجواب غير صحيح بناءً على ما هو مبناه في باب الاُصول المتعارضة من أنّه إذا تعارض أصلان في زمان وتساقطا ثمّ تولّد أصل آخر في زمان متأخّر معارض لأحد الأصلين السابقين، يبقى هذا الأصل بلا ابتلاء بالمعارضة؛ لسقوط معارضه سابقاً بمعارض آخر، إلاّ إذا علمنا منذ الزمان الأوّل بأنّه سوف يتولّد هذا الأصل الثالث، ففي هذا الفرض يتساقط الكلّ. ومن هنا بنى في باب ملاقي أحد أطراف الشبهة المحصورة على أنه لو لم يعلم من أوّل الأمر بأنّه سوف يلاقيه، ثمّ حصل الملاقاة جرى الأصل فيه بلا معارض. وعلى هذا المبنى نقول في المقام بأنّ أصالتي عدم الجعل قد تعارضتا عند الفقيه قبل حصول الموضوع خارجاً، فلو فرضنا أنّ الفقيه لم يكن يعلم بأنّه سوف يبتلي بالماء المتغيّر خارجاً مثلاً، ثمّ ابتلى به، كانت أصالة بقاء النجاسة غير مبتلاة بالمعارض؛ لما مضى من أنّه إنّما يتولّد الأصل في المجعول بناءً على الوجهين الأوّلين عند تحقّق الموضوع لا منذ البدء.
الجواب الثاني: أنّ أصالة عدم جعل الحرمة وأصالة عدم جعل الإباحة ليستا متعارضتين؛ لأنّ التعارض بين الاُصول إنّما يكون في موردين:
الأوّل: أن يتناقضا في التنجيز والتعذير، كما لو أُجري في مورد توارد الحالتين استصحاب الحرمة واستصحاب عدم الحرمة معاً. وما نحن فيه ليس من هذا القبيل؛ لأنّ استصحاب عدم جعل الحرمة وان كان يعذّر، ولكن استصحاب عدم جعل الإباحة لا ينجّز إلاّ بإثباته للحرمة بالملازمة، ولوازم الاُصول غير حجّة، والتنجيز إنّما يترتّب على جعل الحرمة لا على مجرّد عدم جعل الإباحة.
والثاني: أن يكون العلم الإجمالي علماً بالتكليف على كلّ تقدير، فتترتّب على إجراء الاُصول، المخالفة القطعية. وما نحن فيه ليس من هذا القبيل؛ لأنّه علم إجمالاً بالحرمة أو الإباحة؛ للعلم بعدم نقصان الشريعة، ولم يعلم إجمالاً بحكم الزامي يلزم من إجراء الاُصول مخالفته القطعية.
وهذا الجواب ـ أيضاً ـ غير صحيح بناءً على مبناه من أنّ الاستصحاب كالأمارات قد جعل فيه العلم والطريقة، ويقوم مقام العلم الموضوعي، ويصحِّحُ ذلك الافتاء بالواقع،