المتغيّر من أنّه ماءٌ متغيّرٌ له حدوث وبقاء، ومقتضى عدم المسامحة وإن كان هو حمل دليل الاستصحاب على النظر الأوّل، ولكنّ العرف هنا يتسامح ويقول: (هذه نجاسة للماء المتغيّر لها حدوث وبقاء، ويشملها دليل الاستصحاب) كما يشهد لهذه المسامحة العرفية ما نراه من أنّه لم يخطر على بال أحد منهم من أيّام العضدي والحاجبي إلى زماننا هذا الإستشكال في استصحاب الحكم بعدم تصوّر الحدوث والبقاء، وحتّى من أنكره كالسيّد الاُستاذ والنراقي(رحمهما الله) قد اعترف بهذا الاستصحاب في نفسه، وإنّما أنكره بدعوى التعارض مع استصحاب آخر.
والاستصحاب بهذا التقريب لا يرد عليه إشكال عدم تصوّر الحدوث والبقاء كما عرفت، ولا هو يبتلي بما مضى من مخالفة الارتكاز أو وقوع الإشكال في الفتوى على بعض المباني؛ لأنّ الاستصحاب يجري حين التفات الفقيه إلى حكم الماء المتغيّر بلا حاجة إلى انتظار زمان العلم بتحقّق الموضوع؛ لأنّ الحدوث والبقاء العنواني المسامحي ثابت من الآن(1)، وهذا هو الجواب المختار لنا في المقام.
(1) قلت له(رحمه الله): إنّ الوجه الذي اخترتموه في تصحيح استصحاب الحكم يرد عليه إشكال المخالفة للارتكاز؛ وذلك لأنّ الاستصحاب على هذا الوجه لا يجري إلاّ عند تحقّق الموضوع خارجاً، فإنّنا إن نظرنا إلى الحكم بالحمل الشائع لم نَرَ له حدوثاً وبقاءً حتّى يستصحبه، وإن نظرنا إليه بالحمل الأوّلى نرى أنّه شيء يتحقّق عند تحقّق الموضوع، فلا معنىً لأن يستصحبه الفقيه مثلاً قبل تحقّق الموضوع.
فأجاب(رحمه الله): بأنّ المقصود هو دعوى: أنّ العرف يكتفي بالحدوث والبقاء العنوانيين، ولا ينتظر لتحقّق الحدوث والبقاء الحقيقيين، وأنّه لو كان يريد الحدوث والبقاء الحقيقيين لم يجر استصحاب الحكم؛ لأنّه ليس له حدوث وبقاء حقيقيّان، وإنّما يتولّد كلّه في آن واحد، فينحصر الاستصحاب في استصحاب عدم الجعل ـ على حدّ تعبير السيّد الاُستاذ ـ، ولو كان يريد الحدوث والبقاء العنوانيّين فهذا ثابت من أوّل الأمر، فيجري استصحاب الحكم من أوّل الأمر، ولا معنىً للانتظار إلى زمان تحقّق الموضوع، فإنّ الانتظار إلى ذلك الزمان معناه التفتيش عن حدوث وبقاء حقيقيين، ولا يرى العرف أنّه حينما وجد الحكم في نفس النبي(صلى الله عليه وآله) مثلاً لم يوجد شيء له حدوث وبقاء حقيقي إلى أن يتحقّق الموضوع في الخارج، فعندئذ يوجد الحدوث والبقاء الحقيقيان، بل يرى العرف الاكتفاء بما للحكم حين وجوده في نفس المشرّع من حدوث وبقاء عنوانيين وكأنهما في نظره حقيقيان.
ثمّ إنّه يخطر ببالي: أنّي ذكرت له(رضوان الله عليه): أنّكم وإن كنتم لا تقولون بوجود مجعول في مقابل الجعل، أو تحقّق فعلية للحكم لدى فعلية الموضوع، لكنّكم تقولون بدلاً عن ذلك بتحقّق طرفيّة الشيء لما وجد من الحكم حين الجعل لدى اكتمال الشرائط الموجودة في الجعل فيه، فالماء قبل التغيّر مثلاً لم يكن طرفاً للحكم بنجاسة الماء المتغيّر، أو قل: لجعل النجاسة، وحينما تغيّر أصبح طرفاً لهذا الحكم أو الجعل، وبعد أن زال التغيّر نشكّ في أنّه هل سقط عن الطرفيّة لذلك أو لا؟ فنستصحب طرفيّته له، وليكن هذا الاستصحاب بديلاً لما قاله السيّد الخوئي من
←