يكون شيء لا يصبح واقعياً إلاّ إذا لبس ثوب الوجود، فإذا كان ما لبسه من الثوب هو ثوب الوجود الذهني كان العروض والاتّصاف كلاهما ذهنياً، وهذا ما مثّلوا له بالنوعية (وإن كان هذا ـ أيضاً ـ غير صحيح، وإنّما الصحيح: أنّ نوعيّة الإنسان كإمكانه من موجودات عالم لوح الواقع) وإذا كان هو ثوب الوجود الخارجي كان العروض والاتّصاف كلاهما في الخارج، من قبيل السواد والبياض مثلاً، فلم يقع اختلاف بين ظرف العروض وظرف الاتصاف في مورد من الموارد أبداً.
نعم، يمكننا أن نتنزّل عن هذه الصياغة الفلسفية الموجودة في ما يقوله المحقّق العراقي(رحمه الله)، ونذكر العلاقة بين الحكم الذي هو أمر ذهني والشيء الخارجي ببيان آخر خال عن هذه التعسّفات، وذلك بأن نقول: إنّ الحكم وإن كان أمراً ذهنياً قائماً في نفس الحاكم لكنّه يختلف عن النوعية ـ لو فرضنا أنّها أمر ذهني ـ وذلك لأنّ النوعية إنّما تحمل على مفهوم الإنسان لا بما هو مرآة لمصاديقه، وأمّا النجاسة مثلاً فإنّما تحمل على الماء بما هو مرآة لمصاديقه لا بما هو صورة ذهنية قائمة في نفس الحاكم؛ ولذا لا يقال: إنّ تلك الصورة تنجّست، وإنّما يقال: إنّ الماء تنجس. وهذا وإن لم يكن جسراً بين ذهن الحاكم وما في الخارج يَعْبُر عنه الحكم من ذهن الحاكم ليطرأ حقيقةً على ما في الخارج، ولكنه يوجب أن تحمل هذه الصفة النفسانية بالعرض والمجاز على ما في الخارج، فلهذا الحكم معروض بالذات وهو الصورة الذهنية، ومعروض بالعرض وهو ما في الخارج، من قبيل المحبوب بالذات والمحبوب بالعرض، والمعلوم بالذات والمعلوم بالعرض ونحو ذلك، فالعلم والحبّ إنّما يطرآن حقيقةً على الصورة النفسية، فهي المعلومة او المحبوبة بالذات، لكنّها إنّما صارت كذلك بما هي مرآة إلى ما في الخارج، فما في الخارج هو المعلوم أو المحبوب بالعرض.
ولكن هذا البيان لا يحلّ إشكالنا؛ وذلك لأنّ فرض عروض الحكم الذي هو حالة ذهنية في نفس المولى على ما في الخارج لم يكن أمراً حقيقياً يقال فيه: إنّه تابع لوجود ذلك الشيء الخارجي، فيتصور له الحدوث والبقاء بتبع ذلك الشي، وإنّما هو أمر مسامحي قائم على أساس الخلط بين الصورة وذي الصورة، والخلط بين المعروض بالذات والمعروض بالعرض، وهذا الخلط موجود من أوّل الأمر، وقبل تحقّق ذلك الشيء الخارجي، فلا يكون ـ أيضاً ـ في المقام حدوث وبقاء، وإنّما كلتا الحصّتين وُجدتا دفعة واحدة، وبكلمة اُخرى: أنّ العروض المسامحي هو عين العروض الحقيقي، فرض مسامحةً عروضاً على ما في الخارج، والمفروض أنّ العروض الحقيقي ليس فيه حدوث وبقاء، فهذا البيان الصحيح لا يكون دافعاً