الإنسان في الخارج ممكن.
إذا عرفت هذا قلنا: إنّ الحكم الشرعي كالنجاسة مثلاً يكون عروضه ذهنياً، أي: إنّ العارض وهو الحكم أمر ذهني، لكنّ اتّصاف الشيء به خارجيّ. أمّا الأوّل فهو واضح، فإنّ الأحكام الشرعية ليست اُموراً تكوينيّة خارجيّة، وإنّما هي اُمور اعتباريّة يعتبرها الحاكم. وأمّا الثاني فلما هو واضح ـ أيضاً ـ من أنّ الخمر مثلاً في الخارج نجس، لا أنّ الوجود الذهني الذي هو جزء للحاكم يصبح نجساً.
وبهذا أجاب المحقّق العراقي(رحمه الله) عمّا ذكره هو من الإشكال الذي مضى ذكره، وذلك بأن يقال: إنّنا نستصحب الاتّصاف الذي هو أمر خارجي، ويكفي هذا اللون من ألوان الوجود الخارجي فيما جعلناه شرطاً في الاستصحاب من ثبوت الوحدة في الوجود الخارجي.
وبالإمكان أن يجعل هذا جواباً على الإشكال الذي نحن ذكرناه، وذلك بأن يقال: إنّ العارض وإن لم يكن فيه حدوث وبقاء، لكن الاتّصاف يكون ـ لا محالة ـ تابعاً للمتّصف الذي هو أمر خارجي ومشروطاً به، وحيث إنّ المتّصف وهو الجلوس في الساعتين أو الماء المتغيّر في الحالتين مثلاً له حدوث وبقاء فالاتّصاف بالحكم يكون ـ لا محالة ـ له حدوث وبقاء، فيجري استصحاب البقاء بلحاظه.
لكن التحقيق: أنّ هذا الكلام بهذه الصياغة التي يريدها المحقّق العراقي(رحمه الله) غير صحيح؛ لعدم تعقّل ما مضى في التقسيم الثلاثي للعوارض من كون بعض العوارض ذهنياً عروضاً، وخارجياً اتّصافاً، فإنّ اتّصاف الشيء بشيء يكون بمعنى الهوهويّة والاتّحاد، واتّحاد شيء مع شيء إنّما يعقل في ظرف وجود ذلك الشيء لا في ظرف آخر، فلو كان العارض ظرفه هو الذهن فلا معنى لاتّحاده مع المعروض الخارجي في الخارج، وقد تورّط الفلاسفة في هذا المحذور وفي محاذير اُخرى من ناحية حصرهم لعوالم واقعية الشيء في عالَمين: عالَم الوجود الخارجي، وعالَم الذهن، فحيث رَأَوا أنّ إمكان الانسان ليس شيئاً موجوداً في الخارج، بدليل تقدّمه على وجود الإنسان، وفي نفس الوقت ليس اتّصاف الانسان بالإمكان مجرد أمر ذهني يطرأ على مفهوم الإنسان الموجود في الذهن، فاضطرّوا إلى أن يقولوا: إنّ الإمكان ذهني عرضاً، خارجي اتّصافاً.
والصحيح: أنّ عالَم الواقع أوسع من عالَم الذهن والخارج، فقد يكون شيء واقعياً قبل عالم الوجود، بلا حاجة إلى لَبس ثوب الوجود كالإمكان، فيكون عروضه ـ أي: وجوده ـ مع اتّصاف المعروض به كلاهما ثابتاً في لوح الواقع قبل عالم الوجود، من قبيل الإمكان، وقد