بذلك ينحلّ إشكال التعارض بين استصحاب المجعول واستصحاب عدم الجعل.
والإشكال الذي ذكره المحقّق العراقي(رحمه الله) في المقام هو: أنّ وحدة الموضوع المشروطة في باب الاستصحاب ليست هي الوحدة في الماهية، وإلاّ لصحّ الاستصحاب في ما لو علم بوجود زيد ثم شُكّ في وجود عمرو لوحدة الماهية، وإنّما هي الوحدة في الوجود الخارجي. وعلى هذا يشكل استصحاب الحكم؛ لأنّ الحكم ليس له وجود خارجي حتّى تثبت الوحدة في الوجود الخارجي، وإنّما الحكم أمر قائم في ذهن المولى. ثمّ أجاب(رحمه الله) عن هذا الإشكال بجواب(1)، ونحن سوف نتكلّم في تحقيق الحال في ذلك ـ إن شاء الله ـ في مبحث اشتراط بقاء الموضوع في الاستصحاب(2)، أي: لزوم وحدة موضوع القضيّة المشكوكة مع موضوع القضية المتيقّنة، فنتكلّم في أنّ هذه الوحدة هل هي وحدة في الماهية، أو وحدة في الوجود، أو أيّ شيء هي؟ والآن نريد توضيح الإشكال الذي ينتهي البحث عنه إلى حلّ إشكال التعارض بين استصحاب المجعول واستصحاب عدم الجعل. وهذا الإشكال لم يتعرّض له أحد ـ فيما أعلم ـ وأُلفِتُ النظر إلى عدم تعرّض أحد له، وعدم خطوره على بال أحد منهم لأجل دخل هذا ـ أي: عدم خطوره على بالهم وعدم ذكرهم له ـ في حلّه.
وهذا الإشكال هو: أنّ الاستصحاب إنّما يجري إذا كان الشكّ شكّاً في البقاء، فلو لم يكن الشكّ شكّاً في حصّة متأخّرة حتّى يكون بقاءً للحصّة الحدوثية، بل كان شكّاً في شيء معاصر للحصّة الحدوثية، فهذا ليس شكّاً في البقاء، ولا يجري فيه الاستصحاب. وما نحن فيه من هذا القبيل؛ لأنّ وجوب الجلوس في الساعة الثانية ـ على تقدير ثبوته ـ معاصر لوجوب الجلوس في الساعة الاُولى، وقد وُجدا في آن واحد، فليس أحدهما يشكّل الحصّة الحدوثية والآخر الحصّة البقائية، فإنهما إنّما وُجدا بالجعل، وجعلهما إنّما صار في آن واحد، وسنعمّق هذا الإشكال عند إبطال الجواب الأوّل من أجوبته. وهذا الإشكال يمكن الجواب عنه بوجوه:
الوجه الأوّل: ما يخطر عموماً على البال عند إلقاء هذا الإشكال، وهو: أنّ المجعول ليس معاصراً للجعل، توضيحه: أنّ القضايا الإخبارية على نهج القضايا الحقيقية توجد محمولاتها لموضوعاتها بنحوين من الوجود، فحينما يقال مثلاً: (النار حارّة) فحتّى لو لم تكن
(1) راجع نهاية الأفكار: القسم الأوّل من الجزء الرابع، ص 9 ـ 10. وراجع ـ أيضاً ـ المقالات: ج 2، ص 335 ـ 336 بحسب طبعة مجمع الفكر الإسلامي.
(2) أظنّ أنّه(رحمه الله) لم يتعرّض في بحث اشتراط بقاء الموضوع إلى الشبهة التي طرحها الشيخ العراقي(رحمه الله).