المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

19

الغرض الآخر المزاحم له في الحفظ، فإنّ الاستصحاب قد يثبت حكماً إلزامياً، لولا ذلك الاستصحاب لنفيناه بالقواعد الاُخرى. وقد يثبت حكماً ترخيصياً، لولا ذلك الاستصحاب لم نكن نأخذ بذاك الترخيص، بل كنّا نأخذ بجانب الاحتياط بحسب القواعد الاُخرى، فلا يوجد ضابط لموارد جريان الاستصحاب و تحقق اليقين السابق تميّز به نوعيّة الغرض إطلاقاً، كي يحكم عليه بأنّه أهمّ من الغرض الآخر المزاحم له.

والصحيح: أنّه يمكن جعل الاستصحاب بلحاظ الترجيح بقوّة الاحتمال بالنظر المجموعي، بأن يكون المولى معتقداً بكون بقاء ما كان في موارد الشكّ أكثر من زواله. ويمكن أيضاً جعله بلحاظ قوّة الاحتمال بالنظر الاستغراقي، بأن يعتقد المولى كاشفية اليقين السابق و أماريته. ويمكن هنا الجعل بنحو ثالث، وهو أن يفرض أنّ الأغراض المتزاحمة كانت متكافئة، ولم يكن بعض أقسامها أهمّ من بعض آخر بقوّة المحتمل ولا بقوّة الاحتمال، فحصل التخيير من ناحية الواقع في مقام الجعل و حفظ أحد الغرضين، أي: أنّ الواقع صار حياديّاً من ناحية ترجيح أيّ واحد من الجانبين على الآخر، فوصلت النوبة إلى مرجّحات ذاتية غير مرتبطة بالواقع، ولنفرض مثلاً كون ذلك المرجّح المطابقة للطبع العقلائي، أو أيّ شيء آخر، فالمرجّح اقتضى في غير موارد اليقين السابق جعل البراءة، و في موارد اليقين السابق جعل الاستصحاب.

 

الأمر الثاني ـ في كيفية الاستصحاب استدلالاً:

قد اعتاد الفقهاء(قدس سرهم)على أن يجعلوا الدليل على المدّعى عند الاستدلال بخبر الثقة نفس خبر الثقة لا دليل حجّيّة خبر الثقة، كآية النبأ مثلاً، و يجعلوا الدليل على المدّعى عند الاستدلال بالاستصحاب دليل الاستصحاب، و هو صحيحة زرارة مثلاً لا نفس الاستصحاب.

و ليس هذا مجرّد بحث لفظي، بل مردّ ذلك إلى أنّه إذا وجد معارض يدلّ على خلاف المقصود، ففي باب خبر الثقة يجعل معارضه نفس ذلك الخبر لا آية النبأ، فإذا كان الخبر أخصّ من ذلك المعارض قدّم عليه بالأخصّية و إن كانت النسبة بين آية النبأ و ذلك المعارض عموماً من وجه، و في باب الاستصحاب لا يجعل المعارض نفس الاستصحاب في ذلك المورد الجزئي حتّى يقدّم عليه بالأخصّية، بل يجعل المعارض صحيحة زرارة التي تكون النسبة بينها و بين الخبر المعارض عموماً من وجه.