الجلوس في الساعة الثانية مثلاً إذا وجب في الساعة الاُولى باستصحاب العدم الأزلي لوجوب الجلوس في الساعة الثانية، فطوّر السيّد الاُستاذ هذا الكلام وعمّقه بنحو لا يرد عليه ما أورده الشيخ الأعظم(قدس سره) من أنّه إذا فرض الزمان مفرِّداً للجلوس، وعدّ جلوس الساعة الاُولى موضوعاً، وجلوس الساعة الثانية موضوعاً آخر، جرى استصحاب العدم الأزلي لوجوب الثاني، ولا موضوع لاستصحاب وجوبه؛ لأنّ الشكّ في الحدوث لا في البقاء، وإن كان الزمان ظرفاً فقط وغير معدِّد للموضوع، فوجوب الجلوس في الساعة الثانية بقاءٌ لوجوب الجلوس في الساعة الاُولى، واستصحاب عدم البقاء لا معنى له، بل يجري بعد العلم بحصّته الحدوثية الاستصحاب الحاكم بثبوت حصّته البقائية(1).
وذكر السيّد الاُستاذ(2) في فرض الشكّ في الحكم إذا كان بنحو الشبهة الحكمية بمعنى الشكّ في سعة وضيق دائرة المجعول، من قبيل ما لو شكّ في أنّ اليوم الواجب صومه في شهر رمضان هل هو إلى الغروب أو الى زوال الحمرة: أنّ استصحاب بقاء المجعول معارض باستصحاب العدم الأزلي للجعل؛ لأنّ الجعل يختلف قلّةً وكثرةً بطول المجعول وقصره، فالشكّ في طول المجعول يساوق الشكّ في كثرة الجعل، فاستصحاب بقاء المجعول يعارض استصحاب عدم الجعل، وليس هذا استصحاباً لعدم البقاء الذي أُثبت بالاستصحاب الأوّل حتّى يقال: إنّه لا معنى لجريان استصحاب عدم البقاء، وإنّما هنا مركزان للاستصحاب: أحدهما: المجعول، ويجري فيه استصحاب البقاء بعد البناء على ظرفيّة الزمان. والثاني: الجعل، ويجري فيه استصحاب العدم، فيتعارضان.
ولعلّ مقصود المحقّق النراقي(رحمه الله) هو ما ذكره السيّد الاُستاذ.
وقد تعرّض السيّد الاُستاذ للإشكالات التي اعترض بها على هذا التقريب ولو بصيغته النراقية ودفعها وفق صيغته التي التزم بها:
الإشكال الأوّل: ما مضى عن الشيخ الأعظم(قدس سره) من أنّه مع مفرّديّة الزمان لا معنى لاستصحاب الحكم، ومع ظرفيّته لا معنى لاستصحاب عدم البقاء: وهذا ـ كما ترى ـ وإن كان يرد على الصيغة النراقية، لكن على صيغة السيّد الاُستاذ جوابه واضح كما عرفت، فهو يختار ظرفيّة الزمان ويستصحب عدم جعل الزائد، لا عدم بقاء المجعول.
(1) راجع الرسائل: ص 377 بحسب طبعة رحمة الله.
(2) راجع المصباح: ج 3، ص 47 ـ 48.