التفصيل بين الشبهات الحكميّة والموضوعيّة:
أمّا التفصيل الأوّل، وهو التفصيل بين الشبهات الحكمية والموضوعية، فهو ما ذهب إليه السيّد الاُستاذ، وقد تطوّرت هذه الفكرة في ذهنه من ناحيتين، فهو كان يقول أوّلاً بعدم حجّيّة استصحاب الحكم سواء كانت الشبهة حكميّة او موضوعيّة، ففي الشبهة الموضوعيّة ـ أيضاً ـ لا يجري استصحاب الحكم في نفسه بغضّ النظر عن حكومة استصحاب الموضوع عليه، وهذا ـ أي: إنكاره لاستصحاب الحكم في الشبهة الموضوعيّة ـ لم يكن له مزيد خطورة؛ لأنّ استصحاب الموضوع يغني عن استصحاب الحكم. وعلى أيّ حال فبالبحث والنقاش جرى على هذه الفكرة تعديلان:
الأوّل: هو استثناء استصحاب الحكم في الشبهة الموضوعية والقول بجريانه، وهذا الاستثناء كان يبني عليه أحياناً وينكره أحياناً إلى أن استقرّ عليه.
الثاني: استثناء الشبهات الحكمية الترخيصيّة وما بحكمها. فقال بجريان الاستصحاب فيها، وقال بعدم جريان الاستصحاب في خصوص الشبهات الحكمية الالزامية وما بحكمها. ويظهر بعد هذا ـ إن شاء الله ـ ما هو المقصود بقولنا:(وما بحكمها)(1).
ومنشأ ذهابه إلى هذا التفصيل هو ما ذكره المحقّق النراقي(رحمه الله) من عدم جريان استصحاب الحكم ـ ولعل المتيقّن من عبارته الشبهة الحكميّة ـ مستدلاًّ بتعارض استصحاب وجوب
(1) وهو كلّ ما يُرى أنّ في جعله مؤونة، ولا يكفي مجرّد الإمضاء في صدر الشريعة له.